للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا)]

يذكر سبحانه أن هوداً بعدما دعا قومه إلى الله سبحانه، وذكرهم بآياته كان ردهم عليه بأن قالوا كما حكى الله عنهم: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا} [الأحقاف:٢٢]، والإفك بمعنى الصرف والإدانة والكذب، والمعنى: أجئتنا لتصرفنا عن آلهتنا، وتبعدنا عنها، ولتفتري وتكذب علينا حتى نترك آلهتنا، والإفك: أعظم الكذب، فوصفوه بما هم أهل له، فهم أهل الإفك والإفتراء وليس هو عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

قالوا: {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، والقصة هنا مختصرة وقد ساقها الله عز وجل في أماكن أخرى، فقال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ} [الأعراف:٦٥]، فأول ما دعاهم إليه هو توحيد الله سبحانه وتعالى، ثم ذكرهم بنعم الله عز وجل عليهم كما في سورة الشعراء: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء:١٢٩ - ١٣٥]، فكان جوابهم: {قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ * إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء:١٣٦ - ١٣٧] أي: أنت تقلد الذين من قبلك، فسواء وعظتنا أم لم تعظنا فلسنا داخلين في دينك، فيكون قد أعذر إليهم بما قاله لهم.

وهذه الآية اختصرت ذلك، فذكر الله عز وجل فيها جوابهم على نبيهم وهو: ((أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا))، ولما قال لهم -كما في سورة هود-: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} [هود:٥٠]، كأنه قال قبل ذلك كلاماً كثيراً وذكرهم بنعم الله، فلما أصروا قال لهم: أنتم مفترون مجرمون تفترون على الله الكذب، وتزعمون له شركاء، وتدعون معه من لا ينفع ولا يضر، فقالوا له: ((أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)).

فعادة الإنسان المجرم الاستهتار وعدم النظر في العاقبة، فهؤلاء لما رأوه صادقاً عليه الصلاة والسلام وداعياً إلى الله، ولا يطلب منهم شيئاً لنفسه، وإنما يقول لهم: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ} [هود:٥١] أي: أني لم آتِ لأطلب منكم شيئاً، وإنما جئت أدعوكم لتعبدوا الله سبحانه، فأبوا إلا ما هم فيه من الكفر وقالوا: ((فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)).

<<  <  ج:
ص:  >  >>