للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تمكين الله للأمم السالفة في الدنيا]

قوله تعالى: ((وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً))، وأنتم أيضاً أعطيناكم السمع والأبصار والأفئدة، ((فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ))؛ لأنهم كانوا يجحدون بآيات الله.

وهناك فرق بين الجاحد والمنكر: فالمنكر: قد يظن في نفسه أنه صادق في ذلك، فتقول له: أنا أعطيتك حاجة كذا وكذا، فيقول لك: لا، ما أعطيتني، فلعله يكون ناسياً، لكن إذا نفى ذلك وكان ذاكراً فهو جاحد، فالجاحد هو الذي ينكر مع معرفته في نفسه وإقراره في قلبه أنه أخذ هذا الشيء.

فهؤلاء جحدوا بآيات الله وكذبوا رسل الله عليهم الصلاة والسلام، فهم يعرفون أن هذا النبي حق ومع ذلك كذبوا، وهم مقتنعون وموقنون أنه على الحق، لكن جحدوا وكذبوا، فاستحقوا العقوبة الشديدة، ولذلك طبع الله على قلوبهم فلم تنفعهم النذارة، ولم يخافوا من عذاب الله عز وجل، حتى بغتهم العذاب فلم ينفعهم شيء.

قال سبحانه: ((فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ)) وهنا نرجع لقضاء الله وقدره، فمن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فأولئك هم الغافلون، وأولئك هم الظالمون، فالله سبحانه تبارك وتعالى يهدي فضلاً منه سبحانه، ويضل بعدل منه سبحانه، فهؤلاء استحقوا أن يطبع الله على قلوبهم، وألا ينتفعوا بما يشاهدون من الآيات، وألا ينتفعوا بما يسمعونه من الحكم والعبر؛ لأنهم كانوا يجحدون بآيات الله، ويكذبون بالحق الذي يعرفون، فلا يستحقون أن يبصروا، ولا أن تنار قلوبهم، فلذلك طمس الله عليها وأظلمها، فقال: ((إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ)) أي: أحدق بهم ونزل بهم نزول إحاطة، فنزل العذاب نزولاً فظيعاً عظيماً محيطاً بهم، فلم يفلت منهم أحد.

قال: ((وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون)) فحاق بهم نتيجة ما طلبوه، فهم طلبوا من رسولهم عليه الصلاة والسلام، {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود:٣٢] ضحكوا منه، وسخروا به، فجاءهم العذاب من عند الله سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>