للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون)]

بدأها الله سبحانه وتعالى هذه السورة بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١]، والفلاح بمعنى: النجاح الدائم، والفلاح يكون يوم القيامة بأن يدخل الإنسان جنة رب العالمين، فإذا حصل له هذا فقد فاز الفوز العظيم الذي لا خسران بعده، وهنا {أَفْلَحَ}، بمعنى: نجح النجاح العظيم الذي لا يخسر بعده أبداً.

{قَدْ أَفْلَحَ}، و (قد) هنا للتحقيق والتأكيد، فهؤلاء مفلحون لا شك في ذلك، {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، هؤلاء المؤمنون هم الذين جمعوا هذه الصفات العظيمة التي ذكرها سبحانه في العشر الآيات الأول من هذه السورة.

وستجد هذه الصفات متوافقة مع ما ذكر الله عز وجل من الصفات في سورة مكية أخرى، وهي سورة المعارج، فالصفات التي هنا أكدها هناك وزاد عليها شيئاً، فهنا قال عن جزاء من عمل بهذه الأوصاف: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:١٠ - ١١]، وهنالك قال سبحانه وتعالى عنهم: {أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:٣٥]، فهؤلاء هم الذين فازوا فدخلوا الجنة وأكرمهم الله عز وجل بها، فينبغي على كل مؤمن أن يحاول أن يكون مع هؤلاء الذين أفلحوا والذين يكرمهم الله عز وجل يوم القيامة ويقربهم إليه، والصفات هذه صفات عظيمة، لكنها سهلة التحصيل على من يسر الله عز وجل لهم ذلك.

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} ورد هنا الفلاح في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قد أفلح من هدي)، يعني: إلى هذا الدين، إلى هذا الإسلام، (قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه)، (أسلم) أي: أتى بخصال الإسلام، ودخل في هذا الدين، وسلم نفسه لله رب العالمين.

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١]، أي: الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، وآمنوا بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر، آمنوا بالله سبحانه فكانوا جنوداً لهذا الدين العظيم، يدعون إلى ربهم، فهم جاهدوا في الله حق جهاده كما ذكر الله في آخر سورة الحج، وهنا ذكر أن من جهادهم هذا أنهم خشعوا في صلاتهم، وقد قلنا: إن من أعظم الجهاد جهاد النفس، ولا تستطيع أن تجاهد أعداء الدين وأنت لم تجاهد نفسك، فالإنسان إذا جاهد نفسه وقهرها على الحق الذي يريده الله كان معاناً من الله سبحانه، وكان موفقاً من الله، فهو بعد ذلك يستطيع أن يجاهد أعداء الله بالسيف والسنان، بالحجة واللسان، أي: بالحجة والبيان، يجاهدهم جهاد القلب، وجهاد اللسان، وجهاد الجوارح والأركان، فهذا هو الذي تربى على هذا الدين، وجاهد نفسه وهواه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>