للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حال الغافل مع الموت]

قال الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:٩٩ - ١٠٠]، ولا زالت الآية في ذكر المشركين الذين: {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ} [المؤمنون:٨٢ - ٨٣]، فهم يقولون ذلك في حياتهم، فإذا جاء الموت وعرفوا اليقين الذي كانوا يهربون منه، وعرفوا الحق الذي كانوا يكذبونه، فقد كانوا يقولون: {أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}، فلما رأوا ذلك وعاينوه إذا بهم يقول قائلهم كما قال الله عنهم: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ}، أي: نزل الموت بأحدهم، يقول قائلهم مستجيراً بربه: {رَبِّ ارْجِعُونِ}، أي: أرجعني إلى هذه الدنيا مرة أخرى {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}.

قال تعالى: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ}، وهذه قراءة الجمهور، وقراءة يعقوب: ((قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِي))، بالياء مكان الكسرة.

وقوله: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}، أي: من الدنيا، قال الله: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، أي: أن جواب الله له: أنه يستحيل أن ترد إلى الدنيا مرة ثانية، فلن يكون هذا إنما هي مرة واحد تكون فيها في الدنيا، فإما أن تفوز وإما أن تخسر الخسران المبين والعياذ بالله.

وقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} هذه الكلمة هي قوله تعالى: {رَبِّ ارْجِعُونِ}، فهي كلمة لا ينظر إليها ولا يأبه بها، ولا يرد عليه عند طلبها بجواب يفرح به، وإنما قال لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:١٠٨].

وقوله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، البرزخ: حياة القبر، وهي ليست كحياة الدنيا ولا كحياة الآخرة، بل هو ميت الجسد، ولكن روحه إذا كان من الكافرين فهي في أسفل سافلين تعذب، وإن كان من المؤمنين فإن روحه تنعم عند الله سبحانه وتعالى.

وهؤلاء عندما يقولون: {رَبِّ ارْجِعُونِ}، هم في هذا الوقت في حياة البرزخ، أي: المرحلة التي بين الدنيا وبين الآخرة، وهي مرحلة القبور.

وقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا}، قيل: يرجع الضمير في (إنها) على الكلمة وهي قولهم: {رَبِّ ارْجِعُونِ}، وقيل: إنها تعود على كلمة الله سبحانه وتعالى أنه لن يؤخر نفساً إذا جاء أجلها، فهي كلمة قالها ربنا سبحانه وقوله صدق وحق.

وعلى القول الأول فالرد على طلبهم هو قوله تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ}، وكلمة (من ورائهم) تأتي بمعنى: خلف الإنسان، وتأتي بمعنى: الغيب، وهذا الغيب قد يكون أمام الإنسان، فهنا قوله سبحانه: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ}، أي: أمامهم، ولكن هذا غيب لا يراه أحد، فعبر بقوله سبحانه، {وَمِنْ وَرَائِهِمْ}، أي: كأنهم مستورون عن الناس في الدنيا، والبرزخ هو الحاجز بين الشيئين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>