للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان من عجل)]

قال الله تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء:٣٧].

خلق الله عز وجل الإنسان من ضعف، فهو ضعيف وفي طبيعته أوصاف من الأوصاف التي أمر أن يقاوم هذه الأوصاف التي فيه، ففي طبيعته الشح والبخل، وأمره بالإنفاق، ولو لم تكن في طبيعة الإنسان الشح لما أمر أن ينفق أصلاً، وخلق الله في قلب الإنسان شهوة حب المال، وحب النساء، وحب البنين، وأمره أن يقاوم ذلك ويهذبه، فيحب ما أمر الله عز وجل به، فيتزوج ويأتي امرأته في حلال، وحرم عليه الزنا، وحرم عليه الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فالشريعة جاءت لتهذب الإنسان.

ومن ضمن ما فُطر عليه الإنسان العجلة، قال الله: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:٣٧] ففي طبيعة الإنسان التسرع والاندفاع، وأمر بالحلم وعدم الطيش وعدم التهور، وأمر أن يمسك نفسه، ففي مسند أبي يعلى بسند حسن من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التأني من الله والعجلة من الشيطان، وما من أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحب إلى الله من الحمد).

وفي قصة أشج عبد القيس لما وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فأصحابه عندما قدموا المدينة أسرعوا لينظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلوا من الرحال وأقبلوا على النبي صلى الله عليه وسلم مسرعين، لكن هذا الرجل تأخر قليلاً، فخلع ثياب السفر، وتنظف ولبس ثياباً نظيفة، ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما نظر إليه قال: (إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة)، يعني: عندك حلم، وعندك أناة، فهذان خلقان يحبهما الله عز وجل من العبد: أن يكون حليماً متأنياً.

قوله تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:٣٧] المعنى: ما كان يستعجل به الكفار من قولهم: ربنا آتنا قطنا، آتنا العذاب الذي تتوعدنا به! كقولهم: {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} [الأنفال:٣٢].

قال الله: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي} [الأنبياء:٣٧] اصبروا، انظروا آيات الله عز وجل في الكون، وانظروا آيات الله عز وجل التي ينزلها على من يكفر وكيف يعذبه، {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء:٣٧].

فعلى الإنسان ألا يتعجل، فهو مأمور بمقاومة العجلة، لكن ليس التأني في كل شيء، فأمور الخير يأمرنا الله عز وجل أن نسابق ونسارع إليها، وقد جاء في سنن أبي داود من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة)، فعلى الإنسان أن يكون حليماً متأنياً في كل شيء إلا في عمل الآخرة، فلا يؤجل عمل الآخرة، إذا جاء وقت الصلاة يقوم يصلي، إذا جاء وقت العمل يقوم يعمل، إذا جاء وقت أمر بمعروف أو نهي عن المنكر، فلا يسوف، ولذلك قال الله: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:٩]، فتسعى إلى الصلاة بمعنى تهتم بذلك وتتوجه كما أمرت، وليس المعنى أن تجري، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجري إلى الصلاة فقال: (إذا أتيتم إلى الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وأنتم تمشون، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا).

وفي الآية الأخرى قال الله عز وجل: {وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا} [الإسراء:١١]، فالإنسان متعجل يريد الخير سريعاً، يريد المكسب السريع، يريد الدنيا بسرعة، من العجلة الشيطان، فالإنسان الذي يريد المكسب السريع يدله الشيطان على الربا، ويدله على الرشوة، ويدله على السرقة، ويدله على أكل مال اليتيم، ويدله على أكل الحرام، ويدله على الشرور، فلا تعجل ورزقك سيأتي، ولكن سارع للخيرات كما أمرك الله عز وجل.

نسأل الله عز وجل أن يعييننا على فعل الخيرات وترك المنكرات، وعلى حبه سبحانه تبارك وتعالى.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>