للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[سبب نزول قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن)]

ذكروا في سبب نزول هذه الآية أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رءوسهن بالأخمرة وهي المقانع سدلنها من وراء الظهر، يعني: كانت المرأة في الجاهلية تضع خماراً على رأسها وتجعله وراءها، فيبدو من الأمام صدرها، فهذا مثل جاهلية اليوم تجد المرأة تمشي وصدرها منكشف، فكان أهل الجاهلية على هذا الشيء.

وكانت المرأة في الجاهلية لا تبالي أن يظهر منها شعرها، أو أن يظهر منها أذنها وقرطها، أو يبدو خلخالها، بل كانت تمشي في الطريق لابسة خلاخيل في رجليها فتضرب برجلها حتى يسمع صوت الخلخال وهي ماشية، فينتبه إليها الناس وينظرون إليها، فحذر الله عز وجل المؤمنات من الوقوع في ذلك.

فقد ذكر الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (رحم الله نساء المهاجرات الأول، لما نزل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:٣١] شققن أزرهن فاختمرن بها)، وكذلك نساء الأنصار، فجاء عنها رضي الله عنها في صحيح البخاري أنها قالت: (لما أنزلت هذه الآية {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:٣١] أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها) يعني: أخذت الإزار الذي تلبسه فشقته من قبل الحاشية، أي: البطانة، فقد كان الثياب عندهن قليل، فنزلت الآية بالأمر بحجاب المرأة.

وأيضاً جاء في حديث ذكره ابن أبي حاتم عن صفية بنت شيبة قالت: (بينا نحن عند عائشة رضي الله عنها قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضي الله عنها: إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:٣١] لما نزلت هذه السورة انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته، وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحن وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم معتجرات كأن على رءوسهن الغربان) تعني: أن كل واحدة بحثت عن الذي عندها من إزار أو مرط أو غيره، فتغدو وتجعله فوق رأسها وتغطي به صدرها، وتذهب لتصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الفجر، ففي الليل عرفن ذلك، وفي الفجر ذهبن يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم كما تقول السيدة عائشة: أنها نظرت لمنظر النساء وكأن الغربان على رءوسهن، يعني: فقد وضعن على رءوسهن أشياء من الثياب السوداء ونحو ذلك، ومعروف أن الغراب أسود، أو المقصد: أن المرأة كانت تجعل الثياب على رأسها وتبالغ في إخفاء رأسها.

وورد في رواية أخرى عن عائشة عند أبي داود قالت: (يرحم الله النساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:٣١] شققن أكتف مروطهن فاختمرن بها)، فدل على أن كلاً من المهاجرات والأنصاريات فعلن ما أمر الله عز وجل به حالاً، ولم تقل المرأة: سنفعله تدريجياً كما يفعل نساء هذا الزمان، فتلبس ما تشاء من بنطلون ضيق وتزعم أنها محجبة، وتحط على رأسها ريشة قماش وتزعم أنها طارحة جلباباً، وتخادع نفسها ويغرها الشيطان، وفي النهاية الموت يأتي على الجميع والحساب يوم القيامة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>