للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بيان كون الرسل عليهم الصلاة والسلام بشراً كبقية البشر

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: قال الله عز وجل في سورة الفرقان: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان:٢٠].

يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات من سورة الفرقان أنه ما أرسل قبل النبي صلى الله عليه وسلم من المرسلين إلا وحالهم أنهم يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، فكل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كانوا يعملون حوائجهم بأيديهم، وهذا من تواضعهم عليهم الصلاة والسلام، فكانوا يخرجون يبتاعون ويشترون، ويقضون حوائجهم بأنفسهم، وقد علمهم ربنا سبحانه وتعالى هذا الخلق العظيم، خلق التواضع، فعلموا الخلق ذلك، وقد قال تعالى منبهاً على ذلك: {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان:٢٠].

والتعبير بأنهم يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق إشارة إلى أنهم بشر كبقية البشر، فهم يأكلون الطعام، كما أن البشر يأكلون الطعام ويخرجونه، وكل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كذلك، وليس النبي صلى الله عليه وسلم بدعة من الرسل، عليه وعليهم الصلاة والسلام، بل الكل يستوي في ذلك، فهم سواء في أكل الطعام ثم إخراجه، وفي ذهابهم إلى الأسواق لإحضار طعامهم وشرابهم، وهذا دأب المرسلين عليهم الصلاة والسلام.

وقوله تعالى: {وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان:٢٠]، يعني: لشراء ما يحتاجون إليه من الأسواق، ومشي الإنسان إلى السوق لشراء حاجته، قد يكون فيه أجر له، وقد يكون فيه وزر عليه، فيؤجر عندما يتعامل بما أمر عز وجل به، وعندما يبيع ويشتري بيع المؤمن للمؤمن، أو بيع المسلم للمسلم، فلا يخون ولا يغدر ولا يغش ولا يدلس ولا يغبن، فالمسلم الذي يبيع ويشتري على هذه الصورة بالعقود الصحيحة له أجر على ذلك؛ لأنه يخاف من الله سبحانه وتعالى، وأما الإنسان الذي يذهب إلى السوق للمراء والجدال مع الناس، وللاختلاط بالنساء، والنظر والتأمل فيما حرم الله سبحانه وتعالى، وليغش ويخدع ويدلس ويغبن، فإن عليه وزراً في ذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>