للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ويوم يعض الظالم على يديه)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الفرقان: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا} [الفرقان:٢٧ - ٢٩].

في هذه الآيات من سورة الفرقان يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن ندم العصاة والظلمة يوم القيامة وندم المجرمين يوم لا ينفع الندم، فالإنسان يندم في الدنيا وينفعه ندمه، ويتوب إلى الله وتقبل توبته، فإذا غرغرت نفس الإنسان وخرجت فلن تقبل له توبة، فذاك حين {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:١٥٨].

ويوم القيامة يريد الكافر أن يؤمن؛ لأنه قد رأى أمامه ما كان غيباً قبل ذلك، فلا ينفعه هذا الإيمان، وإنما ينفعه في الدنيا حين كان الإيمان بالغيب، قال تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:٣]، فالإيمان ينفع حين يكون الأمر غيباً، أما أن يؤمن والأمر مشاهد أمامه فلا ينفعه ذلك، فيوم القيامة يكثر الندم، قال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن:٩]، يوم يرى المؤمن نفسه مقصراً فكيف بالفاجر؟ وكيف بالعاصي؟ وكيف بالكافر؟ المؤمن يقول: ضيعت من عمري أياماً كان من الممكن أن أفعل فيها طاعات فترتفع درجاتي، وآخذ بها ثواباً أكثر مما أنا فيه، وسمى الله عز وجل ذلك اليوم بيوم التغابن؛ لأن كل إنسان يرى أنه مغبون، والغبن في الدنيا: أن تشتري السلعة بأكثر من ثمنها، أو تبيع السلعة بأقل من ثمنها، فالإنسان يرى أنه اشترى الدنيا ودفع فيها الكثير، فضيع من وقته وضيع من جهده ودينه، فيوم القيامة يندم؛ لأنه اشترى هذه الدنيا ودفع فيها العمر الذي كان من الممكن أن يستغله في شيء أفضل من ذلك، كذلك يرى أنه باع الآخرة بثمن بخس قليل في الدنيا، باع آخرته بالمعاصي التي فعلها، وبشهوات ضاعت، وبلذات انقضت، وبأموال تركها لورثته، فذلك يوم التغابن، يوم يشعر فيه كل إنسان أنه غبن نفسه وخدعها، وخانته نفسه.

وفي هذه السورة يخبرنا الله عز وجل عن الظالمين والمجرمين والمشركين والكفرة يوم القيامة، وذلك حين يعض الظالم على يديه، فالإنسان عندما يستشعر الندم لشيء ضيعه يعض أصبعه، كذلك النادم يوم القيامة يعض يديه، قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [الفرقان:٢٧].

<<  <  ج:
ص:  >  >>