للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[جهاد الدعوة والبلاغ]

قال تعالى: {فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان:٥٢]، أي: جاهدهم بهذا القرآن، والقرآن سلاح عظيم قوي قاهر؛ لأنه كلام رب العالمين سبحانه، وفي الآية أمر للنبي ولكل من يصلح له الخطاب: أن تمسك بالقرآن وجاهد به، ويعني أن تجاهد بهذا القرآن: أن تحفظ القرآن، وتعرف أحكامه، وتدعو الناس إليه، وتتخلق بما فيه من آداب عظيمة، فإنك إن كنت على هذا العلم من القرآن كنت قادراً على أن تجاهد الكفار بالبيان وحينها ينصرك الله عليهم، وقد جاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا القرآن جهاداً عظيماً، فدعاهم إليه في مكة ليل نهار ولكن لم يستجب له عليه الصلاة والسلام إلا القليل، فلما هاجر إلى المدينة ودعا إلى الله سبحانه وتعالى استجاب له الناس ودخلوا في دين الله سبحانه وتعالى، وبعد أن استجاب له الناس في المدينة فرض عليه الجهاد باليد والسيف والسنان، وبذلك يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد جاهد الكفار بالدعوة باللسان، وبالسيف والسنان فنصره الله سبحانه ودخل الناس في دين الله أفواجاًً.

وإذا كان في القرآن الحجة البيان، إلا أنه ليس وحده آلة الجهاد فقد جعل الله عز وجل مع القرآن حكم الجهاد قال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة:٢١٦]، فإذا كان المسلم يحب رحمة رب العالمين سبحانه، ويحب أن يسلم في بدنه، ويأمن في نفسه ولكن الله عز وجل فرض عليه الجهاد والقتال في سبيله سبحانه وأمره: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة:٢١٦]، كأمره: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:١٨٣]، وكقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:٤٣]، إذ أن في القتال العزة لهذا الدين، والإعزاز للإسلام والمسلمين، ولذا فالله عز وجل حين فرضه لعل بعض المسلمين لم يفهم من الآية الوجوب فقال: {لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [النساء:٧٧]، فأجابهم الله سبحانه وتعالى بقوله: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [النساء:٧٧]، فلما جاهد المسلمون وجدوا حلاوة النصر، ووجدوا عزة التمكين بعد أن مكنهم الله سبحانه، وحينها أحبوا الجهاد في سبيل الله فلم يزالوا مجاهدين في سبيل الله، طالبين الشهادة والدار الآخرة حتى أعطاهم الله الآخرة والأولى، فأعطاهم الجنة في الآخرة وأعطاهم الدنيا، فصاروا هم الملوك على الدنيا يحكمون بشرع رب العالمين سبحانه، ودانت لهم الدنيا لأنهم أقاموا دين الله سبحانه، ونصروه، وأحبوا الآخرة، وأحبوا الشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى، فقد مكن لهم سبحانه وتعالى، ففي مكة قال لنبيه: جاهدهم به أي: بالقرآن، وفي المدينة قال له وللمؤمنين: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة:٢١٦]، وقال أيضاً: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة:٣٦]، وقال سبحانه: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة:٥]، فأمر الله عز وجل المؤمنين بقتال الكفار، والكافر طالما المؤمن يستعد له فإنه يخاف منه، أما إذا نام المسلم ونسي نفسه: فإن الكافر يتحرش به، ويعلو فوقه، ولا يتركه أبداً؛ لأن الدنيا إما أن يغلب المؤمن فيها بدين الله سبحانه فيعزه الله، وإما أن يغلب الكافر بكفره، ولذا ينبغي على الإنسان المؤمن أن يتمسك بدين الله ولا يخاف من أحد، فإنه إن هاب الكافر إستأسد عليه، كما أن المؤمن حين يترك دين ربه سبحانه فإن الله يخذله ولا ينصره؛ لأن من أسباب النصر أن يتعلم الإنسان المؤمن دين ربه وشرعه العظيم، وأن يتمسك به ويدعو إليه، ويجاهد في سبيله، فحينها ينصره الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>