للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عباد الرحمن لا يردون السيئة بالسيئة]

قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:٦٣]، الصفة الثانية من صفات عباد الله: أنهم إذا خاطبهم الجاهلون، والجاهل: هو الإنسان الشرس، السيئ الخلق، المتعجرف، المتكبر، إذا خاطب هذا الجاهل المؤمن فإنه يقول: سلاماً، أي: يقول قولاً يستدعي المتاركة، وقيل: معنى سلاماً: كما قال تعالى: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:٥٥]، أي: لن نعاملكم بما تقولون.

وليس معنى ذلك: أن المؤمن يكون ضعيفاً، يفعل به الناس ما يشاءون، ويستهزئون منه وهو يتركهم، ولكن المعنى: أن فيه قوة، فإذا ترك خصمه فإنما يتركه وهو قادر عليه، وليس لكونه مستضعفاً.

ولذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير) فالإنسان المؤمن يتنازل لغيره، ولكن عن قوة وقدرة، وليس ضعفاً وقلة حيلة، بل خوفه من الله سبحانه وتعالى يجعله لا يبتدئ بالمصاخبة، وإذا بدئ بها فهو يقول: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:٥٥].

قال بعض أهل العلم في تفسير قوله: {سَلامًا} [الفرقان:٦٣]: إن سلاماً من التسلم، أي: تسلماً منك، نبرأ من فعلك ولا نفعل بك ما تفعل بنا، فنحن لا نسخط، ولا نجهل، ولا نسب، ولا نشتم، ونتقي الله عز وجل في كل مسلم، فهو مؤمن قوي، ولكن مع ذلك لا يبدأ بالعدوان، ويدفع بالتي هي أحسن، وكم من إنسان يدفع بالحسنى، فليقي الله عز وجل في قلب خصمه الحب له، قال الله سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:٣٤].

<<  <  ج:
ص:  >  >>