للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله تعالى: (ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً)

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين: قال الله عز وجل: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان:٧١].

يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآية وما قبلها وما بعدها عن صفات عباد الرحمن، وذكر في خلال الآيات التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وقال: ((وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) والتوبة: هي الرجوع عن الذنب، والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والإنسان التائب توبة نصوحاً هو الذي يندم على ذنبه الذي وقع فيه، ويعزم ألا يرجع إليه مرة أخرى، ويستغفر ربه سبحانه وتعالى من هذا الذنب، ويعيد الحقوق لأصحابها، ويستحل أصحابها مما عليه لهم، فمن تاب هذه التوبة النصوح التي أمر الله بها بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم:٨]، فقد تاب توبة خالصة لله سبحانه وتعالى.

قوله: ((وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا)) أي: أن التوبة ليست كلمة يقولها المرء باللسان، ولكن لا بد أن تكون عن اعتقاد في القلب، وعزم على ألا يرجع إلى المعصية، وندم على هذه المعصية التي وقع فيها، ثم يعمل صالحاً حتى يبدل الله عز وجل عمله من عمل سيئ إلى عمل حسن، فيبدل الله السيئات إلى حسنات، فهذه هي التوبة المقبولة التي يستحق بها العبد أن يكفر الله عز وجل عنه سيئاته، قال: {فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان:٧١]، يعني: يتوب إلى الله توبة حقيقية، توبة خالصة، يرضى الله عز وجل عنه بها.

جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه ابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعاً: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، وهذا من فضل الله العظيم سبحانه، فإذا تاب العبد توبة بشروطها فهذا كأنه لم يأت ذنباً، وكأنه لم يقع في الذنب، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث فقال: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، فالإنسان الذي يقع في المعصية، ولكن يستدرك ذلك ويراجع نفسه، ويرجع إلى ربه سبحانه وتعالى بالتوبة، فهذا يتوب الله عليه، وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو داود من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد يذنب ذنباً، ثم يقوم فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران:١٣٥]).

فالإنسان المؤمن يذكر الله عز وجل، فيستغفر لذنبه الذي وقع فيه، فإذا تاب تاب الله عز وجل عليه، وأخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فقال: (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه)، يعني: أن باب التوبة مفتوح إلى أن تظهر العلامات الكبرى للساعة، فإذا ظهرت العلامات الكبرى، والتي منها: طلوع الشمس من مغربها، وهذه من أكبر العلامات التي تدل على أن الساعة على وشك، فإذا تاب العبد قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عز وجل عليه، أما بعد طلوعها من المغرب فلا تقبل.

كذلك إذا تاب المرء قبل أن يغرغر فإن التوبة مقبولة قبل الغرغرة، يعني: قبل أن تصل الروح إلى حلق الإنسان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>