للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (قال أولو جئتك بشيء مبين فإذا هي بيضاء للناظرين)]

قال موسى لفرعون: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} [الشعراء:٣٠] يعني: بما أنك لا تعرف كيف تجيب فهل تتبعني إذا جئتك ببينة ومعجزة تدل على أني رسول من عند رب العالمين سبحانه؟ ولا يستطيع فرعون أن يمنع موسى من إتيانه بالبينة؛ لأن خلفه حاشية وملأ، قال تعالى: {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء:٣١] أي: لو أنت صادق هات هذه البينة التي تدعيها.

فقوله تعالى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} [الشعراء:٣٠] أي: بحجة بينة واضحة فيها البرهان، وفيها الإعجاز والتعجيز لك ولمن معك، قوله تعالى: {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء:٣١]، وهو يعلم يقيناً أنه صادق عليه الصلاة والسلام، ولكن يريد أن يحقر من أمره أمام الناس، فقال: إن كنت صادقاً فهات الذي تقوله، قال تعالى: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ} [الشعراء:٤٥]، وقال سبحانه في سورة الأعراف: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الأعراف:١٠٧]، وقد أمر الله سبحانه وتعالى موسى قبل ذلك أن يلقي عصاه فإذا هي ثعبان أمامه، ويفر موسى فزعاً منها.

ولم يرسل الله موسى إلى فرعون حتى طمأنه ودربه على ذلك، قال تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:١٧ - ١٨]، فلما: {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه:١٩ - ٢٠]، ففر موسى وفزع منها، فناداه ربه: تعال يا موسى! وخذ هذه العصا ولا تخف، وطمأنه ربه سبحانه حتى أخذ هذه العصا.

والوقت الذي ألقى فيه موسى العصا وصارت ثعباناً كان في ليل مظلم، وفي مكان موحش، وموسى خائف أيضاً، وهذا أشد ما يكون من الفزع، فإذا بالله يطمئنه في ذلك تدريباً لموسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حتى إذا كان أمام فرعون فإنه سيلقيها وهو مطمئن؛ لأنه جرب قبل ذلك.

فهنا ألقى عصاه وهو مطمئن بربه سبحانه، {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الأعراف:١٠٧]، وذكر هنا أنها: {ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الشعراء:٤٥]، وفي سورة طه قال: {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه:٢٠].

فقد دبت فيها الحياة وصارت ثعباناً بيناً عظيماً فظيع المنظر يسعى بين الناس، فقوله تعالى: {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الشعراء:٣٢] أي: بيِّن أمامهم ليس سحراً وليس كذباً وليست تخيلاً لهم، ولكن صارت ثعباناً حقيقياً أمامهم.

وقوله تعالى: {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الشعراء:٣٣]، وقبل ذلك قال الله له: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [النمل:١٢]، وقال هنا في سورة الشعراء: {فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الشعراء:٣٣]، فكان لها شعاع كشعاع الشمس، فأدخلها في جيبه وأخرجها بيضاء والجميع يرون ذلك، فهي معجزة أمامهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>