للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المنافق خب لئيم]

والمنافق خب لئيم، أي: أنه يفتش وراء كل شيء، والأصل عند المنافق وعند الكافر إساءة الظن في الجميع، فجميع الناس عنده مخيفين، لذلك فهو يفتش وراء كل إنسان من أجل أن يعرف ما وراءه.

وطبيعة الإنسان تنضح على عينه، فيرى كل إنسان بما في قلبه هو، فالإنسان الذي عنده إساءة الظن في الناس، وأنهم مخيفون، فهذا لأنه هو في نفسه مخيف وليس قلبه مطمئناً، فنظرته نضحت على عينه هذا الشيء فيرى الناس أمامه كلهم على هذه الهيئة، وفي هذا خطر على الإنسان، ولذلك جاء في حديث النبي صلى أنه قال: (من قال: هلك الناس فهو أهلكهم)، أي: أنه ينظر أن كل الناس قبيحون، وأنهم هلكى، فهو أشدهم هلاكاً؛ لأنه اغتر وظن أنه هو الناجي الوحيد.

والإنسان المؤمن يحب الخير لنفسه ولجيرانه وللناس أيضاً، ويحب لهم أن يكونوا مؤمنين، وأن يكونوا مصلين، وأن يكونوا من أهل الطاعات، ولذلك فإن إبراهيم دعا أباه ودعا قومه إلى الخير، ودعاهم إلى الله عز وجل وتلطف في دعوتهم إلى ذلك، فدعا أباه فقال: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:٤٣ - ٤٥].

فانظر الكلام الطيب من إبراهيم لأبيه صانع الأصنام وعابد الأوثان، فيجيب أبوه بقوله: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ} [مريم:٤٦] أي: ألا تعجبك الآلهة التي أعبدها، أراغب عنها؟ {لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم:٤٦] أي: لأرجمنك بالحجارة وأشتمك أمام الناس، وامش بعيداً عني، فهذا الجواب السفيه يصدر من أهل السفاهة، وذلك لائق بهم، وأما إبراهيم فالذي يليق به أنه حليم أواب منيب عليه الصلاة والسلام، فيحلم عن أبيه، فقال: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} [مريم:٤٧] أي: مهما عملت فأنا سأستغفر لك ربي؛ {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم:٤٧] أيْ: إنه كريم ورءوف بي عطوف علي، وحنانه عظيم بي.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير) يعني: قلوبهم طيبة ونقية، فلا غل فيها، وفيها التوكل على الله وتوحيد الله سبحانه كقلوب الطير.

يقول العلماء: هذه الأفئدة مثل قلوب الطير في كونها خالية من كل ذنب، سليمة من كل عيب، لا خبرة لها بأمور الدنيا، فصاحب هذا القلب لا يفتش عن أحوال الناس، فهو يتعامل مع الناس بكرم ورأفة ورحمة، فصاحب هذا القلب السليم من أهل الجنة، كما قال الله عز وجل: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩].

وكلام إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام فيه جمال في السياق وحسن انصراف وتخلص من شيء والدخول في شيء ثانيٍ، ألا وهو الكلام عن الجنة وعن النار، فالكلام هنا ليس كلام إبراهيم، إنما هو كلام رب العالمين سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>