للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (وعلمناه صنعة لبوس)]

قال: سبحانه: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} [الأنبياء:٨٠].

واللبوس عند العرب بمعنى عدة الحرب، وقد اختصه الله عز وجل بصنع الدروع: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبأ:١١]، فهو سبحانه وتعالى عليم وبصير بهم، فقال له: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ:١١]، فقد كانت الدروع صفائح من حديد يلبسها الإنسان، لكنه جعلها حلقاً، ليسهل لبسها على الإنسان.

قال: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ:١١]، والسابغ هو الساتر للبدن كله، وجعله يصنعها من حلقات كأنها سلسلة، يضع الحلقة على الحلقة، ويضع المسمار بينهما، قال: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ:١١] أي: اجعل المسمار على قدر الحلقة، لتبقى الحركة في الدرع نفسه، وهو عبارة عن حلقات متصلة، بين كل حلقة وحلقة مسمار يصل الحلق بعضها ببعض، فإذا لبسها الإنسان في الحرب استطاع أن يتحرك وأن يصبر على الكر والفر وأن يدافع عن نفسه.

{لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء:٨٠]، الضمير راجع إلى هذه اللبوس، فتعلم الناس منه صناعة الدروع.

قال: {لِتُحْصِنَكُمْ} [الأنبياء:٨٠]، وهذه قراءة ابن عامر وأبي جعفر وحفص عن عاصم.

القراءة الثانية قراءة شعبة عن عاصم وهي قراءة رويس عن يعقوب: (لِنحصنكم من بأسكم) بنون الجماعة التي تدل على التعظيم، وهي تعود إلى الله سبحانه وتعالى، أي: حتى نحفظكم ونحرزكم من بأسكم، ومن حربكم ومن قتالكم.

وباقي القراء يقرءون: ((لِيُحْصِنَكُمْ)) أي: ليحصنكم بها من بأسكم فتتقون بها السيوف والرماح ونحو ذلك، فتعلمتم بعد هذه الدروع وطورتم فيها، فهل شكرتم الله سبحانه وتعالى الذي أنعم عليكم بذلك؟ قال: {فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء:٨٠] ولم يكن داود وحده من الأنبياء صاحب صنعة، بل كثير من الأنبياء كانت لهم حرف، وقد أخبر الله عز وجل عن أنبيائه أنه يرزقهم سبحانه، ولا يجعل رزقهم على أحد أبداً؛ فلا أحد يتكفل لهم بطعام ولا شراب إلا هو سبحانه، ولذلك جعل رزق النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي)، فرزقه صلى الله عليه وسلم بالجهاد في سبيل الله، فله خمس المغنم صلوات الله وسلامه عليه، أما الفيء فأمره إليه صلوات الله وسلامه عليه يقسمه كيف يشاء.

فداود عليه الصلاة والسلام كان يصنع الدروع، وأيضاً كان يصنع الخوص ويبيعه وهو ملك، ولا يأخذ من أكل المملكة شيئاً عليه الصلاة والسلام.

وأيضاً كان آدم عليه الصلاة والسلام يعمل بيده ويحرث ويزرع الأرض ويأكل من كسب يده عليه الصلاة والسلام.

ونوح كان نجاراً عليه الصلاة والسلام، ولقمان الحكيم كان خياطاً، وطالوت كان دباغاً، ثم جعله الله عز وجل رئيساً على بني إسرائيل وقائداً لهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>