للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ضرورة التأسي بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: قال الله عز وجل في سورة الأنبياء: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ * وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ * وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:٨١ - ٨٤].

ذكر الله تبارك وتعالى في هذه الآيات وما قبلها نبذاً عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فذكر من قصصهم في هذه السورة التي سميت باسمهم ما يزيد المؤمن إيماناً، ويجعله يرى أمامه أسوة وقدوة حسنة في أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام، فيقتدي بهم في أفعالهم ودعوتهم وقيامهم وصبرهم على المحن التي ابتلاهم الله عز وجل بها، ويتعلم منهم كيف كانوا يأتمرون في أقوالهم بأمر الله سبحانه وبشريعته.

ونتعلم من هؤلاء الأنبياء عدم الاعتماد على أحد إلا على الله سبحانه وتعالى، في مطعمنا ومشربنا وملبسنا، فهو الذي يرزقنا.

وقد كانوا عليهم السلام أصحاب حرف وصناعات، حتى أن داود عليه الصلاة والسلام وهو نبي يحكم بشرع الله سبحانه وتعالى كان لا يأكل إلا من عمل يده، وليس هو وحده، ولكن كل أنبياء الله عز وجل كانت لهم حرف يحترفونها، ويأكلون ويشربون من هذه الحرف، ومن ما عملت أيديهم.

وقد ذكر الله عز وجل داود عليه الصلاة والسلام هنا: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء:٨٠].

وما من أحد إلا ويعلمه الله عز وجل شيئاً يصلح له، ويكون فيه معاشه ورزقه.

فمن الناس من لا يستفيد مما علمه الله سبحانه، فيترك العمل ويسأل الناس، ويستسهل أن يأخذ رزقه من الحرام.

وما من مخلوق إلا وقد قسم له الله عز وجل رزقه، ولا بد أن يأتيه هذا الرزق، فعلى الإنسان المؤمن أن يبحث عن وظيفته بالطرق الحلال، ولا يقل قد ضيق الله عز وجل علي، ويتوجه إلى الحرام؛ فإن رزقك مقسوم، وكسبك معلوم، ولن يزداد شيئاً على ما قسمه الله عز وجل، فابحث عن الحلال تجد الحلال، ويرزقك الله سبحانه تبارك وتعالى، وائتس بهؤلاء الأنبياء الذين كانوا لا تلهيهم صنعتهم ولا كسبهم الرزق عن الدعوة إلى الله عز وجل، ولا تشغلهم عن المرتبة العظيمة التي هم فيها، وهي مرتبة النبوة.

وقد كان داود عليه السلام يصنع الدروع في قومه -كما ذكر القرآن- وكان يصنع الخوص، ويبيع ذلك، وكان يأكل من عمل يده، وهو ملك على قومه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان عمله الجهاد في سبيل الله سبحانه، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (وجعل رزقي تحت ظل رمحي).

فكان أشرف الرزق له صلى الله عليه وسلم أن يجاهد، وكان له خمس الفيء وخمس الغنيمة، ومع ذلك فقد كان لا يأخذ شيئاً لنفسه صلى الله عليه وسلم، إلا قدر ما يكفيه صلوات الله وسلامه عليه، ويكون الباقي للمسلمين.

وكان يقول: (ليس لي من أموالكم ولا مثل هذه)، يأخذ من جنب البعير شعرة، ولا يستقلها صلى الله عليه وسلم، قال: (إلا الخمس، والخمس مردود عليكم) يعني: حتى الخمس الذي سيكون نصيبه صلى الله عليه وسلم من الفيء كان يأخذ منه ما يكفيه هو وأهله صلى الله عليه وسلم، ويرد الباقي على المسلمين، وعلى الزوار والأضياف والفقراء والمحتاجين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>