للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)]

{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [الأنفال:٢٢].

ثم بين تعالى سوء حال المشبه بهم، وذلك بعد أن بين أنهم إن لم يسمعوا ويطيعوا فسيكونون مثل الكفار، فقال عز وجل: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [الأنفال:٢١]، فمبالغة في التحذير وتقريراً للنهي بيَّن سوء حال المشبه بهم، فقال عز وجل: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [الأنفال:٢٢].

الدَّوَاب جمع دابة، والمقصود: ما يدب على الأرض.

وبهذا المعنى العام يعتبر الإنسان من الدواب؛ لأنه يدب ويتحرك على الأرض، أو يقصد بها البهائم، فالمعنى: ((إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ) يعني: إن شر البهائم، ((عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ) أي: عن سماع الحق ((الْبُكْمُ) يعني: الذين لا ينطقون به، ((الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) أي: الذين لا يفهمونه، فجعلهم الله تعالى من جنس البهائم؛ لصرفهم جوارحهم عما خلقت له، وليس هذا فحسب، فإن الله سبحانه وتعالى لم يقل: إن هؤلاء الكفار دواب أو بهائم، وإنما قال: هم شر البهائم، فنظمهم في سلك البهائم والعجماوات التي لا تعقل، ثم وصفهم بأنهم شر هذه البهائم جميعاً، وهذا شيء منطقي وشيء مقبول؛ لأنهم عاندوا بعد الفهم، وكابروا بعد العقل، وهذا غاية في الذم، وقد كثر في التنزيل تشبيه الكافرين بنحو هذا، كقوله عز وجل: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} [البقرة:١٧١].

وهنا تنبيه مهم: وهو أن بعض الناس قد يحصل منه -ومنا عموماً- عدم دقة في استعمال بعض التعبيرات، فنسمع من يصف الكافر الفلاني بأنه خنزير، وهذا قرد وهذا كذا وكذا، وربما ظن أن هذا جائز، وأنه إذا شتم أحداً بمثل هذه الألفاظ لم يأثم، وإذا قيل له قال: إن في القرآن الكريم قوله تعالى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف:١٧٦]، وقال: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة:٥]، فنقول: أنت إذا ضبطت كلامك فهمت أن الآيات الكريمات لا تدل على ما تذهب أنت إليه؛ فالقرآن لم يقل: هم حمير، ولم يقل: هم كلاب، وإنما قال: (مثل) فشبه؛ وأنت إذا قلت: فلان كذا، وذكرت حيواناً من هذه الحيوانات فهذا كذب وفحش من القول، والأصل أن المسلم يتنزه عن هذا، إلا في حالات قليلة، لأنك إذا قلت: فلان خنزير فهو ليس بخنزير، لكن ممكن أن تشبهه بالخنزير، كما قال الله سبحانه وتعالى: {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف:١٧٩]، وقال أيضاً: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف:١٧٦].

فالله سبحانه وتعالى أكثر في القرآن الكريم من تشبيه الكفار بنحو ذلك، كقوله عز وجل: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} [البقرة:١٧١]، أي: يدعو بصوت عالٍ، {بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً} [البقرة:١٧١]، أي: يسمع الصوت لكن لا يفهمه.