للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله)]

ثم بين تعالى مراتب فضل المؤمنين إثر بيان عدم الاستواء وضلال المشركين وظلمهم، فقال عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة:٢٠]، (أعظم درجة عند الله) أعظم من أهل السقاية والعمارة، وهم وإن لم يكن لهم درجة عند الله -إذا قلنا أن الآية السابقة في الكافرين- فالتفصيل جائز هنا، وإن كان الأصل في أفعل التفضيل اشتراك الطرفين في الصفة، أحدهما يفوق الآخر فيها، كأن تقول: محمد أقوى من علي، فكلاهما مشترك في صفة القوة، لكن محمد أكثر من علي قوة، هذا هو الأصل.

لكن أحياناً تأتي صيغة أفعل التفضيل مع عدم اشتراك الطرفين في الصفة، كما قال تبارك وتعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:٢٤]، يعني: من أصحاب النار، فهل معنى ذلك أنهما يشتركان في الحسن، ولكن أهل الجنة أحسن؟!

الجواب

لا.

إذاً: توجد هناك حالات لا تقتضي صيغة أفعل التفضيل وجود قاسم أو قدر مشترك في الصفة بين طرفي المفاضلة، كما في هذه الآية، على قول من يرى أن الخطاب إنما هو في حق المفاضلة بين المشركين والمسلمين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.

(أعظم درجة عند الله) يعني: أعظم من أهل السقاية والعمارة، وهم وإن لم يكن لهم درجة عند الله، لكن السياق هنا جاء على زعمهم ومدعاهم، على زعمهم أن لهم درجة عند الله، ودعواهم أن لهم درجة عند الله، فلذلك قال عز وجل: ((أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ)) في المؤمنين.

(وأولئك هم الفائزون) هذا أسلوب حصر عن طريق المبتدأ والخبر، بمعنى: أنه لا أحد غيرهم يفوز، هم فقط الذين يفوزون، فهم مختصون بالفوز دونكم، فهم الفائزون لا أنتم، {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة:٢١ - ٢٢].