للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب)]

قال تبارك وتعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة:٦٥].

ولئن سألتهم عن إتيانهم بتلك القبائح المتضمنة للاستهزاء بما ذكر، (ليقولن): وهم في حالة الاعتذار: إنه لم يكن عن القلب حتى يكون نفاقاً وكفراً، بل هذا الكلام كنا نقوله بألسنتنا فقط، وكنا نخوض ونلعب، وليس له واقع حقيقي في قلوبنا، وأننا فعلاً فينا نفاق وكفر، بل (إنما كنا نخوض) ندخل هذا الكلام للترويح عن أنفسنا ونلعب.

(قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون) يعني: في ترويحكم ومزاحكم لم تجدوا كلاماً آخر غير كلام الله عز وجل! {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة:٦٦].

(لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) يعني: لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة، فالنهي عن الاشتغال به وإدانته أصله واقع.

(لا تعتذروا) يعني: لا تتمادوا في الاعتذار؛ لأن أصل الاعتذار وقع من قبل؛ لأنهم قالوا: (إنما كنا نخوض ونلعب)، وهذا اعتذار، فقوله تعالى: (لا تعتذروا) يعني: لا تتمادوا في الاعتذار، وتوقفوا ولا تشتغلوا بالاعتذار الكاذب، والنهي هو عن الاشتغال بالاعتذار وإدامته؛ لأن أصل الاعتذار وقع بالفعل.

(قد كفرتم) أي: قد أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن فيه، واستهزائكم بمقالكم، (بعد إيمانكم) أي: بعد إظهاركم الإيمان، انتبهوا فإن إيمانكم ليس على حقيقته، يعني: هم لم يقعوا في حالة ردة هنا فقط، فهم منافقون، لكن قوله: (إيمانكم) باعتبار أنهم كانوا يظهرون الإيمان، فمعنى (لا تعتذروا قد كفرتم) يعني: قد أظهرتم الكفر، (بعد إيمانكم) الذي كنتم تظهرونه.

(لا تعتذروا): لا تتمادوا وتشتغلوا بالاعتذار، ومواصلة الاعتذار، لماذا نفسرها بالمواصلة؟ لأن أصل الاعتذار وقع بقولهم: (إنما كنا نخوض ونلعب).

(قد كفرتم)، قد أظهرتم الكفر؛ لأنهم بالفعل كانوا كافرين في الباطن، (بعد إيمانكم)، بعد إيمانكم الذي كنتم تظهرونه.