للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم)]

ثم وعظ تعالى المنافقين فقال: {أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [التوبة:٧٠] (ألم يأتهم) بطريق التواتر، وبالخبر المتواتر، حديث (الذين من قبلهم)، وهو إهلاكهم بعد تنعيمهم، لكفرهم بنعم الله سبحانه وتعالى عليهم، فأهلكهم الله عز وجل بسبب الكفر.

قوم نوح أنعم الله عليهم بنعم منها: تطويل أعمارهم، ثم أهلكوا بالطوفان.

وعاد قوم هود عليه السلام أنعم الله عليهم بنعم منها مزيد قوتهم، ثم أهلكوا بالريح.

وثمود قوم صالح أنعم الله عليهم بنعم منها القصور، ثم أهلكوا بالرجفة.

وقوم إبراهيم أهلكوا بالهدم.

قال المهايمي: أنعم عليهم بنعم منها عظم الملك، ثم أهلك -أي: قوم إبراهيم عليه السلام- ملكهم نمرود بالبعوض الداخل في أنفه.

وأصحاب مدين قوم شعيب أنعم الله عليهم بنعم منها التجارة، ثم أهلكهم بإفاضة النار عليهم.

والمؤتفكات وهي: قرى قوم لوط، انكفأت بهم، أي: انقلبت فصار عاليها سافلها وأمطروا حجارة من سجين، كما قلبوا نظام الفطرة.

ثم قال تعالى: {أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ} [التوبة:٧٠]، الإنسان حينما يتذكر مصائر هؤلاء الكفار الذين بدلوا نعم الله سبحانه وتعالى كفراً، فإن العبر لا تنقطع، نحن لو استعرضنا التاريخ كله لرأينا فعلاً أيام الله سبحانه وتعالى في الظالمين والجبابرة الذين كانوا أشد قوة من الحاليين، والإنسان لو حاول أن يحصد ذلك لوجد عبراً شتى، ومن هؤلاء الجبابرة الملك فاروق، وعبد الناصر، وشوشتكوا، ولنا الآن آية من آيات الله في هذا الملحد يلسن الذي يرقد الآن لا حس ولا حركة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعجل بإهلاكه، فبعدما فعل المذابح للمسلمين في الشيشان وفي غيرها من الجمهوريات الإسلامية، وحارب دين الله عز وجل في أفغانستان من قبل، انظر كيف أذله الله سبحانه وتعالى! ها هو الآن هذا الطاغوت الحقير يرقد الآن بلا فائدة منه، ولا يستطيع أن يمارس أي شيء سوى الكلام بين وقت وآخر! وريجن الذي كان في قمة غروره، ابتلاه الله سبحانه وتعالى بالمرض المعروف بالزهيمر، وفقد الذاكرة تماماً! هذه من آيات الله، وهذا الجبار الذي كان يمتلئ غروراً، لما عوتب في حملته على لبنان في وقت من الأوقات قال: لا تنسوا أننا ما زلنا صليبيين! فها هو الآن ما زال حياً، لكن نسأل الله العافية من مثل هذه الحياة.

هذا فعل الله سبحانه وتعالى في هؤلاء الطواغيت، يذلهم بعد أن عتوا في الأرض عتواً كبيراً، فعلى مستوى الأفراد، وعلى مستوى الأمم؛ يبدل الله سبحانه وتعالى من حال إلى حال، ودوام الحال من المحال.

يقول تعالى: {أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ}، هذا استئناف لبيان نبئهم، أي: جاءتهم بالآيات الدالة على رسالتهم ((فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ)) أي: بإهلاكه إياهم؛ لأنه أقام عليهم الحجة بإرسال الرسل وإزاحة العلل، فالفاء هنا للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام ويستدعيه النظام، يعني: أتتهم رسلهم بالبينات فكذبوهم، فأهلكهم الله تعالى، فما ظلمهم بذلك، {فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [التوبة:٧٠] يعني: بالكفر والتكذيب، وترك شكره تعالى، وصرفهم نعمه إلى غير ما أعطاهم إياها لأجله؛ فاستحقوا ذلك العذاب.