للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وآخرون مرجون لأمر الله)]

قال الله تعالى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ} [التوبة:١٠٦] الواو عطف على قوله تعالى: ((وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) فالمعنى: منهم منافقون ومنهم آخرون مرجون لأمر الله، {إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} كلمة (إما) تستعمل لوقوع أحد الشيئين، والله تبارك وتعالى عالم بما يصير إليه أمرهم لكنه خاطب العباد بما يعلمون، فالمعنى: ليكن أمرهم، عندكم على الخوف والرجاء.

(وآخرون) يعني: من المتخلفين، (مرجون لأمر الله) يعني: أمرهم مؤخر انتظاراً لحكمه تعالى فيهم، لتردد حالهم بين أمرين: إما يعذبهم؛ لتخلفهم عن غزوة تبوك، وإما يتوب عليهم، أي: يتجاوز عنهم.

(والله عليم) أي: بأحوالهم، أو عليم بما يئول إليه حالهم.

(حكيم) أي: فيما يحكم عليهم.

وقرئ في السبع: (وآخرون مرجئون لأمر الله)، وقرئ: (مرجون)، كما قرئ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب:٥١]، أو (ترجئ من تشاء)، يقال: أرجأته وأرجيته كأعطيته.

وروي عن الحسن أنه عني بهذه الآية قوم من المنافقين، وكذا قال الأصم: إنهم منافقون أرجأهم الله، فلم يخبر عنهم ما علمه منهم، وحذرهم بهذه الآية إن لم يتوبوا أن ينزل فيهم قرآناً، فقال: (إما يعذبهم وإما يتوب عليهم).

وعن ابن عباس ومجاهد وغير واحد: أنهم الثلاثة الذين خلفوا، يعني: خلفوا عن التوبة، وهم: مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية، قعدوا في غزوة تبوك في جملة من قعد؛ كسلاً وميلاً إلى الدعة وطيب الثمار والظلال، لا شكاً ونفاقاً، وسبق أن طائفة من المتخلفين عن الغزوة ربطوا أنفسهم بالسواري كما فعل أبو لبابة وأصحابه، وطائفة لم يفعلوا ذلك، وهم هؤلاء الثلاثة، ولم يبالغوا في الاعتذار، ولم يوثقوا أنفسهم، كما فعل أبو لبابة وأصحابه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم، ونهى الناس عن كلامهم ومخالطتهم، حتى نزل قوله تعالى: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:١١٨].

يقول القاسمي: فنزلت توبة أولئك قبل هؤلاء حتى نزلت الآية الآتية، وهي قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة:١١٧]، إلى قوله: {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:١١٨].

قال في العناية: وإنما اشتد الغضب عليهم مع إخلاصهم والجهاد فرض كفاية؛ لما قيل: إنه كان على الأنصار خاصة فرض عين؛ لأنهم بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ألا ترى قول راجزهم في الخندق: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً فالأنصار كان الجهاد عليهم فرض عين إلى الأبد -على قولٍ-، وهؤلاء الثلاثة منهم، فكان تخلفهم كبيرة.