للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السياحة بين المفهوم الشرعي والمفهوم غير الشرعي]

في مثل هذا البحث ينبغي أن ننسى تماماً القاذورات المرتبطة بكلمة السياحة؛ لأن هذه القاذورات المرتبطة بالسياحة طرأت نتيجة الفساد الذي عم وطم وظهر في البر والبحر والجو، لكن نحن الآن نتعامل مع معاني الوحي الشريف، ومعاني اللغة العربية الأصلية، بغض النظر عما صارت ترمز إليه كلمة السياحة الآن من الفساد والعفن.

نحن نتكلم عن السياحة التي هي عبادة، وهي الانطلاق في الأرض للتفكر في آيات الله، ومطالعة أيام الله سبحانه وتعالى، وآثار الأمم الغابرة، كما في قوله تعالى: {قُلْ سِيرُوا} [الأنعام:١١]، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} [الروم:٩]، وقوله تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} [يوسف:١٠٩]، وقوله: {فَسِيرُوا} [آل عمران:١٣٧]، وقوله: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل:٢٠]، وقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء:١٠٠] فهذه الآيات قرائن نيرة تدل بأن السيح معناه: السير، فإنها وإن تكن من مادة أخرى إلا أن معناها يلاقي معنى السيح، على أننا لا نعدم قرينة على ذلك من نفس المادة، وذلك كقوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة:٢] أي: انتشروا في الأرض أو سيروا في الأرض، فكلمة: (سيحوا) هنا تفسر (السائحون) في الآية هذه.

أما من يقول: إن خير ما فسرت به الآية بالوارد فنقول: إن صرف هذا اللفظ عن ظاهره فيه تكسيل للأمة، وبه يحصل قصور همتها، وضعف نشاطها، ويحول بينها وبين سعادة الإحاطة بآثار الأمم البائدة، ورؤية عمران المسكونة، الأمر الذي هو الآن الضالة المنشودة عند الغربيين.

إذاً: كلمة السياحة ومعانيها الآن تحتاج إلى كثير من الاحتراز؛ لأنها لا تطبق بالصورة التي يريدها الشرع؛ لأن هناك من يعتقد أن أنظف سياحة هي ما يسمونه بالسياحة الدينية، والسياحة الدينية لا تقتصر على الحج ولا العمرة، وإن كان بهذا المعنى يصح أن توصف بأنها سياحة؛ لأنها انتشار في الأرض لإقامة فريضة أو عبادة، لكن السياحة الدينية عند هؤلاء المنحرفين هي إلى المقابر أو إلى أضرحة الأولياء ونحو هذه الأشياء! ومن السياحة التي يظن أنها مباحة شد الرحال إلى الأماكن التي نزلت فيها لعنة الله سبحانه وتعالى على القوم المعذبين، فأمثال هذه الأماكن لا ينبغي للإنسان أن يذهب إليها، وإذا مر بها كعابر سبيل فإما أن يبكي وإما أن يسرع ويجري، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تمروا بهؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين) فمن السنة أن الإنسان إذا مر في رحلته بشيء من هذه الأماكن كديار ثمود أو آثار الفراعنة المشركين الوثنيين فليسرع؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام علل ذلك بقوله: (لا تمروا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين؛ أن يصيبكم ما أصابهم) فهو أمر بالإسراع خشية أن يصيبنا ما أصابهم؛ لأن هذه الأماكن نزلت فيها لعنة الله، ونزل فيها غضب الله على من ناوأه وحاربه وعصاه وكفر به.

ومن علامات موت القلب أن الإنسان يمر بهذه الأماكن دون أن يبكي ودون أن يعتبر، فإذا حصل ذلك ولم يستحضر هذه المعاني ولم يسرع بمغادرة هذه الأماكن ففي هذه الحالة يخشى أن يعاقب بأن تصيبه نفس اللعنة التي أصابت هؤلاء المعذبين، وقد يكون هذا هو السر فيما يسمونه الآن: لعنة الفراعنة، فهي ليست لعنة الفراعنة، وإنما هي لعنة الله سبحانه وتعالى تصيب من يأتي إلى هذه الأماكن المشئومة.

فإذاً: الأماكن التي يعرف أنه نزل عذاب الله فيها، ينبغي إذا مر بها الإنسان مجتازاً أن يسرع ويبكي، والأصل ألا يأتي إلى هذه الأماكن أصلاً خشية أن يصيبه ما أصابهم.

فهذا هو التفسير الصحيح لما يسمى الآن: لعنة الفراعنة؛ لأن الفراعنة الآن أموات، ولعنة الله تصيب من يجاورهم في مساكنهم وفي ديارهم بشؤمهم لقوله عليه الصلاة والسلام (أن يصيبكم ما أصابهم) والله تعالى أعلم، ولا يبعد أيضاً أن تكون بعض الأماكن التي فيها ظواهر غريبة هي أماكن نزول عذاب، فربما لأجل ذلك يهلك من اقترب منها، مثل مثلث برمودا وغيره، وهذا احتمال قائم والله تعالى أعلم.