للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)]

قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:٢٥ - ٢٦].

ذكر الله سبحانه وتعالى الدنيا وسرعة زوالها رغب في الجنة ودعا إليها، وسماها دار السلام، أي: من الآفات والنقائص، فقال سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:٢٥].

((اللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ)) أي: يدعو الخلق بتوحيده إلى جنته.

((وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) أي: إلى دين قيم يرضاه وهو الإسلام.

((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)).

أي: للذين أحسنوا النظر فعرفوا الدنيا وشهواتها فأعرضوا عنها، وتوجهوا إلى الله تعالى فعبدوه كأنهم يرونه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فهذا هو معنى قوله: ((للذين أحسنوا)) أي: عبدوا الله كأنهم يرونه، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان، فكما أنهم أحسنوا جازاهم الله سبحانه وتعالى بالحسنى من جنس عملهم.

والمقصود بالحسنى المثوبة، وهي الجنة، ثم هناك فضل وزيادة على هذه المثوبة كما قال سبحانه وتعالى: {وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:١٧٣] وأعظم أنواع هذا الفضل النظر إلى وجهه الكريم، ولذا تواتر تفسيرها بالرؤية عن غير واحدٍ من الصحابة والتابعين ورفعها ابن جرير إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي موسى وكعب بن عجرة وأبي رضي الله عنهم وكذا ابن أبي حاتم.

وروى الإمام أحمد عن صهيب رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: ((لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)) وقال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازيننا، ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه عز وجل، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم) وهكذا رواه مسلم أيضاً.

((وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ)) أي: ولا يغشاها غبرة سوداء من أثر حب الدنيا والشهوات.

((وَلا ذِلَّةٌ)) أي: ولا يوجد على وجوههم أثر الذل والهوان، وكسوف البال من أثر الالتفات إلى ما دون الله تبارك وتعالى، وفي تعقيب الزيادة بهذه الجملة ((وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ)) مصداق لصحة تفسير الزيادة بالرؤية الكريمة؛ لأن فيها تنبيهاً على إكرام وجوههم بالنظر إلى الله تعالى.

هذه الوجوه الذي كرمت وشرفت بالنظر إلى الله سبحانه وتعالى هي جديرة ألا ترهق بقتر البعد ولا ذلة الحجاب، عكس المحرومين المحجوبين، فإن وجوههم مرهقة بقتر الحجاب وذلة البعد.

((أُوْلَئِكَ)) أي: الذين أحسنوا ((أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)).