للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (ويوم نحشرهم جميعاً إن كنا عن عبادتكم لغافلين)

لقد بين تعالى ما ينال المشركين يوم الحشر من التوبيخ والخزي فقال عز وجل: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ} [يونس:٢٨].

((وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا)) أي: نحشر المشركين ومعبوداتهم، الضمير في قوله: (نحشرهم) عائد على المشركين ومعبوداتهم التي عبدوها من دون الله؛ للمقاولة بينهم.

((ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا)) أي: أشركوا معبوديهم بالله.

فهؤلاء في هذه الحالة وقد حشروا مع هذه الآلهة التي كانوا يعبدونها، يتوقعون أن تشفع لهم هذه الآلهة كما كانوا يؤملون من قبل، فيجمع الله سبحانه وتعالى العابدين والمعبودين من دونه في نفس الموقف فيقول الله سبحانه وتعالى لهم: ((مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ)) أي: الزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما يفعل بكم.

قال القاشاني: معناه: قفوا مع ما وقفوا معه في الموقف من قطع الوصل والأسباب التي هي سبب محبتهم وعبادتهم، وتبرؤ المعبود من العابد لانقطاع الأغراض الطبيعية التي توجب ذلك الوصل ((فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ)) أي: مع أنهم مجموعون في موقف واحد وفي صعيدٍ واحد، لكن فرق الله سبحانه وتعالى بينهم وقطع الوصل الذي كان بينهم، فلا يبقى من العابدين توقع شفاعة ولا من المعبودين إفادتها، ولو أمكنتهم فرضاً.

((وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ)) إذ لم تكن عبادتكم عن أمرنا، وإنما كنتم تعبدون الشيطان؛ لأنه هو الذي أمركم بهذه العبادة، فأنتم ما عبدتمونا نحن بل عبدتم الشيطان، كما يقول إبليس لهم في الخطبة التي يخطبها: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:٢٢].

فجميع الآلهة التي عبدت من دون الله كاللات والعزى وغيرهما يقولون: ((مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ)) أي: يتبرءون منهم.

قال بعض المفسرين: إن هذه الأوثان جمادات وهي لا تنطق، فمن ثم ذهب بعضهم إلى أن هذا مجاز، وقال بعضهم: بل ينطقها الله سبحانه وتعالى الذي أنطق كل شيء، فتشافههم بذلك مكان الشفاعة التي كانوا يتوقعونها، وتحملهم مسئولية هذا الشرك.

{فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ} [يونس:٢٩].

أي: الله يعلم أن ما أمرناكم بذلك، وما أردنا عبادتكم إيانا.