للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى)

قال الله تبارك وتعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة:١١١].

(وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً) هوداً جمع هائد، (أو نصارى) قال ذلك يهود المدينة ونصارى نجران لما تناظروا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، أي قال اليهود: لن يدخلها إلا اليهود، وقالت النصارى: لن يدخلها إلا النصارى، وهنا تصحيح من القاضي محمد كنعان في الحاشية، يقول: قول السيوطي رحمه الله تعالى: قال ذلك يهود المدينة ونصارى نجران لما تناظروا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا سهو من الجلال السيوطي رحمه الله، فإن التي أشار إليها لم ينزل بشأنها قوله تعالى: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى)، بل نزل فيها قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:١١٣]، وذلك أن اليهود والنصارى تناظروا، فقالت اليهود للنصارى: لستم على شيء، وكفروا بعيسى والإنجيل، فقال النصارى لليهود: ما أنتم على شيء، ونحن نقول للفريقين: صدقتم، لا هؤلاء على شيء ولا هؤلاء على شيء، فقال النصارى لليهود: ما أنتم على شيء وجحدوا نبوة موسى، وكفروا بالتوراة، فنزلت هذه الآية وهي قوله تعالى: (وقالت اليهود ليست النصارى على شيء).

وهذه الآية إخبار عما يظنه كل فريق لنفسه من النجاة وللآخر من الهلاك، وليست مرتبطة بسبب النزول؛ لأنه لا يشترط أن كل آية في القرآن يكون لها سبب نزول، لكن هذا إخبار عن اعتقاد كل فريق من هذين الفريقين.

وفي قوله: (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى) أسلوب من الأساليب البلاغية، كلمة: (قالوا) فيها نوع من الإجمال، وهذا كلام ملفوف، ثم نشر وأوضح بقوله: (وقالوا) فالواو فيها لف، ثم نشر ما لفته الواو بقوله: (إلا من كان هوداً أو نصارى).

{تِلْكَ} [البقرة:١١١]، أي: القولة (أمانيهم)، أي: شهواتهم الباطلة، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [البقرة:١١١]، (قل)، أي: قل لهم، (هاتوا برهانكم) حجتكم على ذلك، انظر إلى أسلوب القرآن الكريم في طلب الاعتداد بالبرهان وبالحجة، وطلب إقامة الحجة والكلام بعلم، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:١١١]، فالذي يدعي دعوى هو المسئول على أن يؤديها بالبرهان، لا أن يدعي الإنسان دعوى ويلزم من يدعوه إليها بأن يثبتها له، المفروض أنت الذي تدعو تكون مسلحاً بالبرهان ولا تتكلم إلا بما قام عليه الدليل والبرهان، وإلا كنت كاذباً، وهذا هو المفهوم من قوله تعالى: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)؛ فالصادق هو من يأتي بالبرهان، (إن كنتم صادقين) فيما تقولون.