للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (قالوا يا أيها العزيز إن له أباً شيخاً كبيراً)

{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:٧٨].

لما تعين أخذ بنيامين وإبقاؤه عند يوسف بمقتضى فتواهم، طفقوا يظهرون عطفهم عليه، وذلك بأن له أباً شيخاً كبيراً يحبه حباً شديداً يتسلى به عن أخيه المفقود، فخذ أحدنا بدله رقيقاً عندك.

قال بعضهم: الفقه من هذه الجملة أن للكبير حقاً أن يتوسل به، كما توسلوا بكبر يعقوب؛ مراعاة لشأن الكبير وسن الكبير واحترام الكبير، فتوسلوا هم بهذا الحق كما في قوله عز وجل: ((إن له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه)) وقد ورد في الاستسقاء إخراج الشيوخ؛ لأنهم قد شابوا في الإسلام وفي التوحيد وفي الطاعة.

وما عزم عليه إخوة يوسف من إنقاذ أخيهم من العبودية المقضي عليه بها كان بلا شك عملاً صالحاً منهم، وهو مما يدل على أنهم هذه المرة أحسن طوية ووفاء مع أخيهم بنيامين، حتى إن أحدهم كان مستعداً أن يكون رقيقاً من أجل إنقاذ أخيه، ومما يدل على أنهم كانوا صادقين حينما أعطوا العهود لأبيهم على أن يحفظوه، فما عزموا عليه يعرب أيضاً عن أمانة وصدق وبر، وشدة تمسك بموثق أبيهم، وذلك محافظة على رضاه وإكرامه، وهكذا فليتمسك البار بمرضاة أبويه.

((إنا نراك من المحسنين)) أي: إنا نراك من المحسنين إلينا، فأتمم إحسانك بأن تأخذ أحدنا مكانه، أو ((من المحسنين)) أي: من المتعاونين بالإحسان فليكن هذا منه، وكما تلاحظون أن سلوك يوسف وخلقه ينبئ عن تمكن صفة الإحسان منه، فهؤلاء رفقاؤه في السجن قالوا عنه: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:٣٦] وهذا شأن المسلم تظهر عليه سيما الصلاح والإحسان وتقوى الله عز وجل حيث كان، فهنا نفس العبارة قالها إخوة يوسف ليوسف: ((إنا نراك من المحسنين)).