للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب إنذار الكفرة بالقرآن]

في قوله تبارك وتعالى: {قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} [الكهف:٢]، وقوله تعالى: {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [الكهف:٤] تنبيه إلى حقيقة مهمة جداً، وهي أنه ينبغي إنذار الكفار بالقرآن الكريم، وللأسف الشديد هناك فلسفة لا أدري ما مصدرها بالضبط، إذ بعض الناس المقصرين أو القاصرين يقول لك: لماذا تنذره بالقرآن وهو لم يؤمن بالقرآن؟ فيعطل بهذا أقوى أسلحة الإسلام في مجابهة الكافرين وإقامة الحجة عليهم.

فالقرآن هو أقوى مصادر إقامة الحجج، عقلية ونقلية وغيرها، فعجباً لمن يقول: الكافر نكلمه بأي لغة أخرى ما عدا الاستدلال بالقرآن الكريم وأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، بل نقول: ليس المطلوب أن يهتدي، بل المطلوب أن تبلغه هذه الحجة، كما قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:١٩]، يعني: لأنذركم به يا معشر قريش الذين تعيشون معي وتسمعون مني مباشرة.

{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:١ - ٢]، أي بالقرآن.

(لأنذركم به) أي: بهذا القرآن، (ومن بلغ)، يعني: ولأنذر أيضاً من بلغه القرآن ممن هم على وجه الأرض إلى قيام الساعة، فإذاً: نحن خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم ونوابه في هذه الأمة المحمدية، ومسئوليتها أن تقوم برسالة البلاغ؛ لأنها شاهدة على الأمم، قال تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣].

فهذا الكلام مفاده تعطيل الاحتجاج بالقرآن الكريم؛ بحجة أنهم لا يؤمنون به، بينما القرآن الكريم له سلطان على القلوب لا يوصف، كان يحدثنا أخ إنجليزي قبل أسبوع أو أكثر وكان ممن يصلي معنا صلاة القيام، وكان يقول لي: أنا أصلي مع الإخوة في المسجد فتنتابني القشعريرة والعظمة، وأشعر بسلطان قوي على قلبي؛ يقول: لكن كانوا حينما يدعون في القنوت لا أشعر بنفس التأثر مع أني لا أفهم معاني القرآن! يسمع القرآن فيشعر بسلطان القرآن على قلبه، أما عند الدعاء فلا يشعر بذلك لأنه ليس بقرآن حتى وإن كان الناس من حوله يبكون في الصلاة.

القرآن له سلطان على القلوب بلا شك، حتى على من سمع القرآن وهو لا يفهم معناه؛ لأنه كلام الله سبحانه وتعالى، وإذا كانت الجبال تخشع: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) [الحشر:٢١]، فكيف بالقلب الحي؟! فإذاً قوة معاني القرآن وقوة ألفاظه هما من إعجاز القرآن الكريم.

وبلا شك أن هذه كلها عوامل مهمة جداً في إقامة الحجة على الناس وإنذارهم، فينبغي أن نتفطن لهذا الكلام ونلغي هذا المفهوم الذي يقول: كافر لم يسلم، ولم يؤمن بالقرآن، كيف تجادله بالقرآن؟