للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم نسبة الشر إلى الله]

لو تأملت في قوله أولاً: ((فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا))، وجدت أنه لم ينسب العيب إلى الله، لكن نسبه إلى نفسه وإن كان عن أمر الله تأدباً مع الله.

وعندما يذكر قتل الغلام قال {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف:٨١].

وفي الحالة الثالثة قال: ((فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا))، فنسب الإرادة إلى الله سبحانه وتعالى، لأنها في خير محض، والنكتة أنه لا ينسب الشر إلى الله سبحانه وتعالى، كما في حديث القنوت في دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: (والشر ليس إليك)، فليس في أفعال الله شر على الإطلاق، بل كل أفعاله خير محض، وإنما الشر أمر نسبي إضافي، قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:١ - ٢]، فأضاف الشر إلى المخلوقين، لكن لا يضاف إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك نظائر، كما في قول أيوب عليه السلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص:٤١]، وقول إبراهيم عليه السلام: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:٧٧] * {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء:٧٨]، فنسب الخلق والهداية إلى الله، {وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:٧٩ - ٨١]، فلم ينسب المرض إلى الله مع أن الله خالق كل شيء.

لكن تأدباً نسب المرض إلى نفسه لأنه شر.

وقال تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ} [الفاتحة:٧]، فنسب النعمة إلى الله، ثم في الغضب والضلال قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧] ولذلك قلنا: إن الغالب أن في تفسير (الذين أوتوا الكتاب) أو (الذين أورثوا الكتاب): أنها إذا وردت للمجهول فالسياق سياق ذم.

أما إذا نسبت إلى الله فالسياق سياق مدح: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:١٤٦] وقال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر:٣٢]، وقوله: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} [الشورى:١٤].

وفي سورة الجن قال: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ) [الجن:١٠]، ثم قال: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:١٠]، ففي الشر استعمل صيغة المجهول، أما في الخير والرشاد فقد نسبه إلى الله سبحانه وتعالى.

وفيها حسن الأدب مع الله، وألا يضاف إليه ما يستهجن لفظه وإن كان الكل من تقديره وخلقه، لقول الخضر عن السفينة: ((فأردت أن أعيبها) وعن الجدار: ((فأراد ربك) ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (والخير بيديك والشر ليس إليك)، يعني: ليس في أفعالك شر أبداً.