للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير القاسمي لقوله تعالى: (وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه)]

يقول القاسمي رحمه الله تعالى: ((وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ))، يعنون ما تعنتوا في اقتراحه مما تقدم في سورة بني إسرائيل، كما في قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} [الإسراء:٩٠ - ٩٣]-من ذهب- {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء:٩٣]، أنا أقترح على الله؟! ليس هذا من شأني.

وقوله تعالى: ((وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ)) فأجابهم تعالى: ((أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى)) أي: أولم يأتهم بيان ما في الكتب التي قبل هذا الكتاب؟! وهذا تفسير آخر، لكن الشنقيطي رحمه الله تعالى فسر بينة ما في الصحف الأولى بأنها القرآن الكريم.

أولم يأتهم بيان ما في الكتب التي قبل هذا الكتاب من أنباء الأمم من قبلهم التي أهلكناهم لما سألوا الآيات فسخروا بها لما أتتهم، ثم عجلنا لهم العذاب، وأنزلنا بهم بأسنا لكفرهم بها؟! يقول: فماذا يؤمنهم إن أتتهم الآية أن يكون حالهم حال أولئك؟ وهذا قاله ابن جرير رحمه الله تعالى؛ ((أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى))، فأقوام الأنبياء طلبوا واقترحوا الآيات، ولم يكتفوا بما أيد الله به الأنبياء من المعجزات، فلما أجيبوا إلى ذلك وكفروا نزل بهم العذاب العاجل! وهذه سنة الله فيمن تعنت واقترح آية ثم أجيب إلى هذه الآية فكفر بها، فيأتيه العذاب.

يقول القاسمي رحمه الله تعالى بعدما حكى قول ابن جرير: وذهب غيره إلى أن المعنى: أولم يأتهم آية هي أم الآيات وأعظمها، وهي معجزة القرآن المبينة لما في الكتب الأولى من التوراة والإنجيل والزبور، مع أن الآتي بها أمي لم يرها ولم يتعلم ممن علمها، فنقب منها على الصحيح من أنبائها فصدقه، وعلى الباطل المحرف ففنده، وفيه إشعار بكفاية التنزيل في الإعجاز والبرهان.

ينبغي أن يكون الدليل الأعظم على صحة الكتب السابقة هو القرآن الكريم، لا بد أن نكون على يقين من ذلك، وأن هذا يكفي، ليس معنى يكفي أننا ننفي ما عداه من المعجزات، لكن نقول: إنه معجزة المعجزات لأن الآية تقول: {وَقَالُوا لَوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍِ مِنْ رَبِّهِ}، فماذا جاء الجواب؟ ((أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى)) أي: أولم يأتهم القرآن الكريم؟ وهذا السياق يفهم منه: أن القرآن كاف في إقامة الدليل على صدق نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وكما قال الله أيضاً في سورة العنكبوت: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ} [العنكبوت:٥٠ - ٥١] انظر إلى كلمة ((أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ)) يعني: أن القرآن فيه الكفاية في إقامة الدلالة على معجزته عليه الصلاة والسلام وعلى نبوته {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:٥١].