للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (حم فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون)]

قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية:١ - ٦].

قال المهايمي: فعزته تقتضي: إفاضة الحجج التي بها الغلبة على الخصوم، وإفاضة الكمالات التي يعسر الوصول إليها، وأنواع السعادات، وحدة النظر، والحكمة تقتضي: محو الشبه، وإزالة المخاوف، وإحراق الشقاوة، وتهذيب الفكر.

وقد نزله من مقام عزته بمقتضى حكمته؛ لتشمير القوة النظرية والعملية؛ لنتوسل بها إلى الكمالات الحقيقية من الإيمان والإيقان والعقل، وذلك إنما يكون بالنظر إلى أنواع الآيات المتضمنة للحجج ورفع الشبه، فمنها آيات الأجسام.

يقول عز وجل: {إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية:٣ - ٥].

حذف حرف الجر الذي تكرر في الآيتين السابقتين: (إن في السموات والأرض) (وفي خلقكم)، ثم قال: (واختلاف الليل والنهار)؛ لتقدم ذكره.

وأنشد سيبويه في الحذف: أكل امرئ تحسبين امرأ ونار توقد بالليل ناراً يعني: وكل نار توقد بالليل ناراً، فهذا شاهد الحذف.

قوله تعالى: ((وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ)) أي: مطر، وسمي رزقاً؛ لأنه سببه.

(فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون) أي: عن الله ما وعظهم به ودعاهم إليه.

قال تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية:٦].

(تلك آيات الله)، الدالة على كمال قدرته وحكمته وإرادته.

(نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون)، أي: بعد الله وبعد آياته ودلائله الباهرة.

وتقديم اسم الله للمبالغة والتعظيم، كما في قولك: أعجبني زيد وكرمه.