للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا)]

قال الله تبارك وتعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:١٦].

(أولئك)، أي: الموصوفون بالتوبة والاستقامة في الآيات السابقة.

(الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا) أي: من الصالحات فنجازيهم عليها، ونتجاوز عن سيئاتهم، أي: فلا نعاقبهم عليها لتوبتهم منها، (في أصحاب الجنة) أي: في جملة من يتجاوز عنهم وهم معدودون في أصحاب الجنة وفي زمرتهم ثواباً ومقاماً.

قال الشهاب: والظاهر أنه من قبيل: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف:٢٠] أي: أن كلمة: (في أصحاب الجنة) تعبير يستفاد منه المبالغة في علو منزلتهم في الجنة، فإن قولك: فلان معدود في العلماء، أو فلان من العلماء، أقوى من أن تقول: فلان عالم.

وكذلك قوله تبارك وتعالى هنا: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ) أي: أولئك في أصحاب الجنة، فهذه أبلغ من قول: أولئك أصحاب الجنة، فتكون من باب قوله تعالى في يوسف عليه السلام: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف:٢٠]، فيوسف الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم ومع ذلك (كانوا فيه من الزاهدين) إشارة إلى علو مقام يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

فمن لم يتنبه لهذا المعنى قال: إن قوله: (في أصحاب الجنة) بمعنى: مع أصحاب الجنة، والصواب أن هناك سراً في إيثار (في) على (مع) في اللفظ الكريم، فلم يقل تعالى: أولئك مع أصحاب الجنة، ولكن قال: (أولئك في أصحاب الجنة)؛ لأن (في) تفيد المبالغة في علو مكانهم ومنزلتهم.

(وعد الصدق)، منصوب على أنه مصدر مؤكد لما قبله؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: (أولئك الذين نتقبل عنهم) فهذه فيها معنى الوعظ، كأنك تقول في التفسير: أولئك الذين وعدهم الله أن يتقبل عنهم أعمالهم فوعدهم بالقبول، فقال سبحانه وتعالى: (وعد الصدق) كأنه يقول: وعدتهم وعد الصدق أن أتقبل أعمالهم، يؤكد ذلك قوله تعالى: (الذي كانوا يوعدون) على ألسنة الرسل في الدنيا: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ} [آل عمران:١٩٤]، فقوله تعالى: ((وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) أي: وعدهم تعالى هذا الوعد، وعد الحق في الدنيا وهو موفيه لهم في الآخرة، كما قال: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:٢١].