للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم)

قال الله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:٨]، قوله: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا)) يجوز أن يرفع على الابتداء، ((وَالَّذِينَ)) اسم موصول مبني في محل رفع مبتدأ، ويجوز فيه النصب، ويفسره قوله: ((فَتَعْسًا لَهُمْ)) أي: وكأنه قال: أتعس الله الذين كفروا فتسعاً لهم، وأما قوله: ((فَتَعْسًا لَهُمْ)) فإنه منصوب على المصدر على سبيل الدعاء عليهم، وهو مثل قولك: سقياً لك ورعياً، وهناك عبارة في العربية وهي: (لعاً له) أو (لعاً لك)، وهي كلمة تقال لشخص وقع في حفرة مثلاً وهو آتٍ في الطريق، فأنت تقول له: (لعاً لك) يعني: نجاك الله من هذه الحفرة ورفعك منها، فإذاً (لعاً له) كلمة يدعى بها للعاثر، ومعنى: (لعاً له) ارتفاع له، أي: أن يرتفع من هذه العثرة، قال الأعشى: بذات لوث عصرنا إذ عثرت فالتعس أولى لها من أن أقول لعا وفي قوله تبارك وتعالى: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ)) عشرة أقوال: بعداً لهم، حزناً لهم، شقاءً لهم، شتماً لهم من الله، هلاكاً لهم، خيبةً لهم، قبحاً لهم، رغماً لهم، شراً لهم، شقوة لهم، وقيل: إن التعس: الانحطاط والعسار، وقال ابن السكيت: التعس: أن يخر على وجهه، والنكس: أن يخر على رأسه، قال الجوهري: وأصله الكبت، وهو ضد االانتعاش، ويقال: تعس يتعس تعساً.

قال مجمع بن هلال: تقول وقد أفردتها من خليلها تعستَ كما أتعستني يا مجمع فيبدو أنه قتل زوجها أو خليلها، فهي تدعو عليه وتقول: تقول وقد أفردتها من خليلها تعست كما أتعستني يا مجمع وجوز قوم تعِس بكسر العين، ومنه حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط)، رواه البخاري.

وفي بعض طرق هذا الحديث: (تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) رواه ابن ماجة.

وخبر الموصول محذوف في قوله: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ) فإذا قلنا: إن الموصول (الذين) مبتدأ فالخبر في هذه الحالة محذوف وتقديره: والذين كفروا فتعسوا تعساً لهم، ودخلت الفاء في قوله: ((فَتَعْسًا لَهُمْ)) تشبيهاً للمبتدأ بالشرط، واللام في ((لَهُمْ)) للبيان، كما في قوله تعالى: {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف:٢٣] ((وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)).

قوله: معطوف على ما قبله، وداخل معه في خبرية الموصول.