للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه)]

قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح:٩]، بعض القراء قرأ: (ليؤمنوا بالله ورسوله ويعزروه ويوقره ويسبحوه بكرة وأصيلاً).

قال الألوسي رحمه الله تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)، الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته، كقوله سبحانه: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:١]، كذلك هذه الآية الخطاب بدأ بالنبي عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) فالخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام، ثم دخل فيه المؤمنون بقوله: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) إلى آخره، تماماً كقوله عز وجل: ((يا أيها النَّبِيُّ) ثم قال: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:١]، فهذا من باب التغليب، غلب فيه المخاطب على الغيب، ونظيره قوله سبحانه وتعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان:٢١]، ثم قال: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً} [الإنسان:٢٢]، وقال عز وجل: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس:٢٢].

إذاً: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}، والمعنى: له وللمؤمنين، قال القرطبي: وإذا أراد الله بالخطاب المؤمنين لاطفه بقوله: ((يا أيها النَّبِيُّ))، فإذا كان الخطاب باللفظ والمعنى جميعاً له، قال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:٦٧]، فاللفظ والمعنى هنا يقصد به النبي وحده، فلذلك ينص على لفظ الرسول عليه الصلاة والسلام، أما إذا أراد الخطاب بالمؤمنين قال: {يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} إلى آخره.

إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام مخاطب بلا شك بالإيمان بالرسالة كقوله تعالى: ((إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ)) يعني: يا أيها النبي! أو يا أيها الرسول! ((شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)) (لِتُؤْمِنُوا) أي: أنت -أيها النبي- مكلف بهذا الإيمان، وكذلك المؤمنون مكلفون به، فهو مخاطب بالإيمان بالرسالة كالأمة.

وقيل: الخطاب في (أَرْسَلْنَاكَ) للنبي عليه الصلاة والسلام، وفي (لِتُؤْمِنُوا) لأمته صلى الله عليه وآله وسلم.