للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إرسال قريش لعروة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم]

يقول: (فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم) وهذا الأمر كان لما رآهم سمعوا رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام مع بديل بن ورقاء، (فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم! ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى، قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى)، وفي بعض الروايات: (ألستم بالولد وألست بالوالد؟ قالوا: بلى)، وبعض الروايات بالعكس: (ألستم بالوالد وألست بالولد؟) وهذا هو الصواب، والمقصود من هذا: أن أم عروة هي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف، فأراد بقوله: (ألستم بالوالد) يعني: أنكم حي قد ولدوني في الجملة؛ لكون أمي منكم، وعلى رواية: (ألستم بالولد) يعني: أأنتم عندي في الشفقة والنصح بمنزلة الولد؟! ولعله كان يخاطب بذلك قوماً هو أسن منهم، يعني: يشير إلى أنه مخلص لهم، سواء على أنه ابن أو والد، ففي كلا الحالتين يكون ناصحاً ومخلصاً لمن ينصحه ويجتهد في نصحه، فهو يريد أن يستنزلهم ويقنعهم -قبل أن ينصح- بأنه جدير بأن يثقوا في نصيحته ولا يتهموه، فإذا كانوا اتهموا بديلاً فهو أراد أن يقول: أنا غير متهم، وأراد أن يقررهم أولاً بذلك كما حصل ذلك من النبي عليه السلام في مواضع معينه معروفة.

فقال: (فهل تتهموني؟ قالوا: لا، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ) يعني: دعوتهم إلى نصركم، (فلما بلحوا علي) يعني: فلما امتنعوا من الإجابة؛ لأن التبلح هو التمنع، وبلح الغريم إذا امتنع من أداء ما عليه، وزاد ابن إسحاق: (فقالوا: صدقت ما أنت عندنا بمتهم، قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ كي يجيئوا وينصروكم، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ -يعني: لأنصركم- قالوا؟ بلى، قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، ودعوني آته)، (قد عرض عليكم خطة رشداً) يعني: خصلة خير وصلاح وإنصاف، وبين ابن إسحاق أن سبب تقديم عروة لهذا الكلام عند قريش ما رآه من ردهم العنيف على من يجيء من عند المسلمين، فقد كانوا يردون بعنف وشدة؛ فلذلك احتاج أن يستدرجهم في الكلام بهذه الطريقة، قوله: (ودعوني آته) يعني: أجيء إليه، (قالوا: ائته، فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من قوله لـ بديل، فقال عروة)، وفي رواية ابن إسحاق: (وأخبره أنه لم يأت يريد حرباً).