للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التنبيه على التكفير الطائش وابتغاء الفرد إقامة الحدود]

بعض الناس كان يتكلم على أساس أنه ينقل كلاماً لـ شيخ الإسلام في حكم من امتنع من شعيرة ظاهرة من شعائر الإسلام، وهذه مشكلة كبيرة، وهي أننا بين وقت وآخر نجد من يأخذ النصوص من الكتب دون ربطها بالواقع أو الالتفات إلى اختلاف الواقع الذي كتبت فيه هذه النصوص عن الواقع الذي نعيشه، فنحن نقرأ في كتب الفقه كثيراً أن تارك الصلاة يقتل، وأن من فعل كذا يقتل، وأن من شرب الخمر يحد، وأن السارق تقطع يده، وهكذا، فبعض الناس في وقت من الأوقات ذهبوا إلى التأثم والشعور بأنهم آثمون إن لم يقاتلوا الطائفة التي امتنعت عن شرائع الإسلام.

ومعلوم أن أي نص في كتب الفقه فيه أن من فعل كذا قتل، فهذا ليس لآحاد الرعية بإجماع العلماء، فالحدود لا يقيمها آحاد الرعية أبداً، وإنما يقيمها الإمام الخليفة، أما أن كل واحد سواء كان عالماً أو داعية أو غير ذلك يظن أنه مسئول ومحاسب إذا لم يقم الحدود، فهذا بلا شك أمر في غاية الخطورة؛ لأن موضوع إقامة الحدود يسبقه إجراءات يجريها القضاء الشرعي من التثبت والتحري والتحقيق، وفي يده سلطة تجبر الناس على تنفيذ هذه الأشياء، أما بخلاف ذلك فلا ينبغي أن يقدم بعض الناس على إيقاد نيران الفتن والبلايا على الدعوة بسبب هذه الاجتهادات.

وأعرف بعض الإخوة في أمريكا، حيث كان الإخوة الأمريكان الأفارقة يدخلون في الإسلام بحماس قوي؛ لكن مع جهل قوي جداً، فمجرد أنه يعرف أحدهم أن شارب الخمر يجلد يريد تنفيذ حكم الله سبحانه وتعالى، فكان بعضهم يدخل إلى الحانات، وأماكن فيها بعض المسلمين المفرطين ممن يشرب الخمر، فيدخل كي يعمل اختباراً ويتأكد أنه مسلم فيقول: السلام عليكم يا أخي! هو يتكلم إنجليزي لكن هذه يقولها بالعربي، فلو رد عليه فإنه يتأكد أنه مسلم، فيقول له: أنا أريدك فقط في كلمتين في الخارج، فيخرج معه فيوسعه ضرباً على أساس أنه يقيم الحد! وموضوع إقامة الحد قد سبق أن ناقشته في محاضرة مفصلة أو محاضرتين، فالحدود من شأن الحاكم وولي الأمر! وكان بعض الإخوة للأسف الشديد يأتون في أثناء النقاش بنصوص من كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية في قتال البغاة، فنقول: نعم؛ لكن الذي يقاتل هو الإمام لأنه ذو سلطة وقوة حتى تنتظم الأمور، وإلا لو أن كل واحد أقام الحد على الثاني بمجرد الدعاوى والشائعات، وبالجهل وعدم التثبت، ولم يوجد قضاء ولا تحقيق؛ إذاً لادعى أناس دماء أناس وأموالهم، فتصير الأمور فوضى.

فهذه فائدة عابرة: وهو أنه يقاتل من امتنع عن شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة، حتى الأذان أو ركعتي الفجر، فلو اتفق أهل القرية على الامتناع من هذه الشعائر الظاهرة فإنهم يقاتلون، لكن من الذي يقاتلهم؟ الإمام أو الخليفة، فهو الذي يقاتلهم ويجبرهم على الرجوع إلى الجادة، أما آحاد الناس أو مجموعات صغيرة فهذا مما لا يكون، وسبق أن تكلمنا مراراً أن الجهاد إنما هو وظيفة أمة وليس وظيفة آحاد قليلة من الناس لا تحسن وزن الأمور.

الشاهد: أن الفئة الباغية تقاتل، لكن الذي يقاتلها هو الإمام الحق.

وبعض الناس أصلاً هو زرع في قناعته أنه لابد من أن يقاتل هو، ثم يبحث عن مبرر، فكنت أناقش أحدهم في موضوع الكفر أو عدم الكفر لهؤلاء الناس الذين يقاتلونهم، فقلت له: كيف تحكم بكفرهم؟ قال: إن لم نحكم بكفرهم لم يجز أن نقاتلهم، فلابد أن أكفرهم لكي يحل لي أن أقاتلهم! هذا هو الأسلوب العجيب في التكفير، هو يفرض على نفسه قناعة ثم يبحث عن المسوغات، وغاب عنه أنه يمكن أن تكون طائفة مؤمنة ومع ذلك يحل قتالها، وليس بشرط أن يكفرهم لكي يقاتلهم، ولكن مع ذلك حتى لو حل قتالهم فالذي يقاتل هو الإمام وليس آحاد الرعية، وقد قاتل الصديق رضي الله عنه من تمسك بالإسلام وامتنع من الزكاة، وأمر ألا يتبع مول، ولا يجهز على جريح، فلم تحل أموالهم بخلاف الواجب في الكفار.