للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطورة النميمة وتسجيل كلام الغير بغير علمه]

من رحمة الله أن جعل الحياة تمشي على ما يظهره الناس، وهذا فيه خطورة النمام الذي يجري بالحطب بين الناس، حيث ينقل الكلام من فلان إلى فلان ليشعل الفتن ويفسد بين الناس.

والنمام لا يخترع كلاماً، بل إنه ينقل كلاماً ممن سمعه بحيث إنه لو نقل فإنه يزيد الفتن بين الناس ويشعل نيران العداوة، فهذا الكلام حصل بالفعل، لكن الإثم هنا ليس إثم البهتان وإنما هو إثم النقل بقصد الإفساد، وهذا أيضاً كثير في المجتمع.

فبعض الناس يتقن وظيفة النميمة، بل بعضهم يصل به الحد إلى أن يسجل خفية كلام بعض الناس ممن تكون بينهم خصومات، وبعدما تدور الأيام إذا به يظهر هذا الكلام، فهذا إتقان للنميمة؛ لأنه ممكن أن ينقل بلسانه بعض الكلام الذي سمعه وينسى كلمة مهمة ويخطئ في أخرى؛ لكن التسجيل إتقان للنميمة والإفساد بين الناس.

وينبغي أن يعلم أنه ليس من حقه أن يسجل لأخيه دون أن يخبره بذلك، ولذلك انتشر في وقت من الأوقات ما يسمى حرب الأشرطة، شخص يتصل بأحد العلماء، ويقول له: ما قولك يا شيخ فيمن يقول كذا وكذا وكذا؟! والشيخ سليم النية، فيأتي بالجواب مطابقاً للسؤال، فيأخذ الرجل الجواب بعد تسجيله ويطير به في الناس.

والحمد لله أنها حرب خمدت إلى حد كبير؛ لكن حصل بسببها تقهقر شديد في الدعوة في بعض البلاد، والسبب هو حمالو الحطب الذين ينقلون الرد من هذا إلى ذاك، والعكس، وقد سمعت من هذا ما فيه العجب في الحقيقة.

فليس من حقك أن تسجل لشخص دون أن يعرف، وهذه تعتبر خيانة وغدراً؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما المجالس بالأمانة).

فينبغي أن تحترم أمانة المجلس، وإذا أردت أن تنقل فأخبره أنك سوف تنقل هذا الكلام، أو استأذنه في التسجيل وبعض الناس أحياناً يفعل ذلك في المكالمات الهاتفية؛ فينبغي الحذر من مثل هذا.

أذكر أنني قبل ثلاثين سنة تقريباً كنت صبياً، وسمعت تمثيلية كان اسمها: نظارة الحقيقة، خلاصتها أن شخصاً اخترع نظارة معينة، بحيث إذا سلطها على شخص في النظر إليه فإنه يتحول في كلامه ويخرج الذي في قلبه، فدار بها وأفسد بين كل الناس بسبب هذه النظارة.

وفي النهاية مر على شخص يتحدث مع زوجته وهو يمدحها ويجللها، فسلط عليه النظارة، فقال لها: يا فاعلة! وأخذ يتكلم بما يكتم في نفسه بعدما كان يثني عليها، فقاموا يتعاركون بعد ذلك.

وهذه كذبة غير حقيقية لأنها تمثيلية.

فمن رحمة الله أن جعل الناس يتعاملون على ما يظهرون، فالنمام يكشف ستر الله على الناس، ويصر على أن يعامل الناس بعضهم بما يقوله الشخص بعيداً عن الشخص الآخر وخفية منه، فنقل الكلام من طرف إلى آخر يحصل به فساد عظيم! ولذلك من حكمة الله سبحانه وتعالى أن وصف النمام بأنه حمال الحطب: {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:٤]، ولا يدخل الجنة قتات، وليس هذا من خلق المؤمن.