للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدار ما ينبغي للمرء أن يقرأه من القرآن وضوابط ذلك]

إن مقدار ما يقرأ المرء من القرآن في اليوم أمر لا نستطيع أن نضع له حداً ثابتاً يلتزم به كل الناس؛ لاختلاف الأحوال والله سبحانه وتعالى قد أشار إلى هذا المعنى في القرآن كما قال تبارك وتعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:٢٠] أي: يبحثون عن الرزق، ثم قال: {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل:٢٠].

فالناس يختلفون فمنهم من يستطيع أن يفعل كما كان الصحابة يفعلون، بأن يحزب القرآن على سبعة أحزاب، ومنهم من يختمه في عشرة أيام، ومنهم من يختمه في ثلاثة، ومنهم من يختم في شهر، وهكذا، المهم ألا يكون هناك هجر للقرآن الكريم، بل كل واحد لا بد أن يكون له حزب خاص به من القرآن الكريم، بحيث يختم فيه القرآن حسب ظروفه؛ لأن هناك طالب العلم، وهناك التاجر، وهناك المجاهد، وهناك المتفرغ، وهناك العابد، فالناس أنواع شتى ولا نستطيع أن نلزم الجميع بقدر ثابت، ولكن كلما حافظ الإنسان على شيء حتى ولو كان قليلاً كان أفضل وأنفع.

فالذي يؤثر في إصلاح القلب هو ما داوم عليه الإنسان، لذلك (كان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا عمل عملاً أثبته)، و (كان عمله ديمة) يعني: كان يحافظ عليه ولا يقطعه.

وقال عليه الصلاة والسلام: (خير الأعمال أدومها وإن قل)، فالمداومة والمثابرة والثبات على العمل الصالح أفضل بكثير من أن تأتي الإنسان الشرة والحدة والحمية في أول الأمر ثم بعد ذلك يهدأ تماماً، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن لكل عمل شرة).

أي: قوة وشجاعة وهمة عالية تكون في أول العمل، ثم بعد ذلك يئول إلى الفترة والتراخي والكسل.

فينبغي أن ينظر الإنسان إلى هذا، وأن يراعي الوسطية والتوازن بين الحقوق والواجبات، كما قال عليه الصلاة والسلام: (فأعط كل ذي حق حقه)، فللزوجة حق وللبدن حق وللضيوف حق، ولطلب العلم حق، وللعبادة حق، فأعط كل ذي حق حقه.

كذلك على الإنسان ألا يبالغ في الآمال والأحلام، ويقول: أختم القرآن في ثلاثة أيام مثلاً، ثم في الواقع لا يستطيع أن يختم في ثلاثة أيام، فكن واقعياً حتى تستمر، وألزم نفسك بما تستطيع المواظبة عليه، فتحدد لك حداً أدنى كجزء أو جزأين في اليوم على حسب ما تستطيع، ثم واظب على هذا الحد الأدنى الذي تستطيع أن تحافظ عليه فإن زدت فهو خير، وينبغي أن يكون اختيارك للحد الأدنى مبنياً على أن ذلك بالنسبة لظروفك أمر مستطاع.

فلابد أن يكون كل يوم حزب من القرآن تقرؤه، ولا بد أن توثق صلتك بقراءة القرآن الكريم، وهذه الوظيفة مختلفة عن وظيفة الحفظ ووظيفة المراجعة، فختم القرآن في حد ذاته وظيفة أساسية كما تأكل وتشرب وتنام، فهي وظيفة يومية.

وبعض العلماء لما أرادوا أن يحددوا الحزب قالوا: نبدأ بسورة الفاتحة، لكن لو بدأنا من سورة الفاتحة فسوف يبدأ الحزب المفصل من سورة الحجرات، والدليل واحد، وهو ما ذكرنا عن أوس بن حذيفة لكنهم اختلفوا في تفسيره، والراجح أنهم كانوا يبدءون التحزيب من البقرة وأما من بدأ العد من الفاتحة فسوف يبدأ حزب المفصل بسورة الحجرات.

ومن بدأ العد من البقرة، فسيبدأ حزب المفصل بسورة (ق).

أما بيان ذلك فهو كما قلنا: ثلاث، خمس، سبع، تسع، إحدى عشرة، ثلاث عشرة، وحزب المفصل وحده فيكون القرآن كله سبعة أحزاب.

فإذا عددت ثمانية وأربعين سورة من البقرة فتكون السورة التي بعدهن هي سورة ق.

أما ترتيب سورة ق في المصحف فهي السورة الخمسون.

إذاً: سنبدأ العد في هذه الحالة من سورة البقرة.

فالثلاث الأولى: البقرة، آل عمران، النساء.

ثم الخمس: المائدة، الأنعام، الأعراف، الأنفال، براءة.

ثم السبع: من يونس إلى النحل.

ثم التسع: من سورة سبحان الإسراء إلى سورة الفرقان.

ثم الإحدى عشرة: من الشعراء إلى يس.

ثم الثلاث عشرة: من الصافات إلى الحجرات، ثم بعد ذلك الحزب المفصل.

وسمي بالمفصل؛ لأنه يكثر الفصل بين سوره لقصرها بالنسبة لما تقدم من سور القرآن الكريم.

فإذاً: يتعين أن أول حزب المفصل هي سورة ق.