للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجه تذكير نار الدنيا بنار جهنم]

وليس الآن وقت التفكر في زمان الربيع، فنرجئه إلى أن يأتي زمان الربيع إن شاء الله، لكن ننتقل انتقالة سريعة إلى نوع آخر من وجوه الاعتبار: فالله سبحانه وتعالى جعل من مخلوقاته ما يذكر بالنار التي أعدها لمن عصاه، وما فيها من الآلام والعقوبات، هناك أماكن وأزمان وأجسام تذكر بالنار، أما الأماكن التي تذكر بالنار، فكثير من البلدان الشيديدة الحر أو البرد، فبردها يذكر بزمهرير جهنم، وحرها يذكر بحر جهنم، فإن جهنم والعياذ بالله حافلة بكل أنواع الآلام، مما لم يخطر على قلب بشر، وليس في الدنيا من آلامها سوى الأسماء، حتى نار الدنيا إنما هي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم والعياذ بالله، فبعض المناطق الاستوائية المعروفة بشدة الحرارة، يجد الناس فيها من الحر الشديد ما ينبغي أن يكون تذكرة لهم بنار جهنم.

أهل النار كما يعذبون بشدة الحرارة كذلك يعذبون بشدة البرودة، فالزمهرير هو تعذيب بالبرد الشديد الذي يؤلم غاية الألم.

كذلك هناك بعض البقاع تذكر بالنار كالحمام، والحمام في مصطلح السلف غير ما هو في مصطلحنا الآن، فقد كانت هناك حمامات عامة تسخن فيها المياه؛ لأنه لم يكن عندهم وسائل لتسخين المياه في البيوت، فكانوا يسخنون في الحمام ليتنظف الناس ويغتسلون.

قال أبو هريرة: نعم البيت الحمام؛ يدخله المؤمن فيزيل به الدرن ويستعيذ بالله فيه من النار! يعني: أن من فوائده أن من دخله تذكر عذاب النار.

وكان السلف يذكرون النار بدخول الحمام، فيحدث لهم ذلك عبادة كما تقدم خبر صلة بن أشيم.

ودخل ابن وهب الحمام فسمع تالياً يتلو: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} [غافر:٤٧] فغشي عليه.

وكان بعض السلف إذا أصابه كرب الحمام يقول: يا بر يا رحيم! مُنَّ علينا وقنا عذاب السموم.

وصب بعض الصالحين على رأسه ماءً من الحمام فوجده شديد الحر فبكى وقال: ذكرت قوله تعالى: (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحج:١٩].

فكل ما في الدنيا يدل على صانعه ويذكر به ويدل على صفاته، فما فيها من نعيم وراحة يدل على كرم خالقه وفضله وإحسانه وجوده ولطفه، وما فيها من نقمة وشدة وعذاب يدل على شدة بأسه وبطشه وقهره وانتقامه، ولا شك أن اختلاف أحوال الدنيا من حر وبرد وليل ونهار، هي أمارات على انقضائها وزوالها.

أما الأزمان التي تذكر بالنار فلا شك أن وقت شدة الحر أو البرد يذكران بما في جهنم من الحر والزمهرير، قد بين الحديث الصحيح الذي ذكرناه أن ذلك من تنفس النار: (اشتكت النار إلى الله سبحانه وتعالى فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين: نفس في الصيف ونفس في الشتاء، فأشد ما تجدون من الحر فهو نفس من أنفاس جهنم، وأشد ما تجدون من البرد فهو نفس من أنفاس جهنم).