للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون)]

قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} [الطور:٣٣] أي: اختلق هذا القرآن من عند نفسه.

قال تعالى: {بَل لا يُؤْمِنُونَ} [الطور:٣٣] أي: لا يريدون أن يؤمنوا حسداً وتقليداً؛ فلذلك يرمونه بتلك الفرى.

وقوله سبحانه: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ} [الطور:٣٣] أي: في الهداية بذلك الأسلوب الذي ملك ناصية الفصاحة والبلاغة، وهذا كقوله: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ} [القصص:٤٩]، فليأتوا بحديث مثل القرآن إن كانوا صادقين في زعمهم؛ فإنهم من أهل لسان الرسول صلوات الله عليه، ولا يتعذر عليهم مضاهاة بعضهم لبعض في ميدان التساجل والتراسل.

يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:٣٤]: قد قدمنا أن الله تحداهم بسورة واحدة من هذا القرآن في سورة البقرة، في قوله: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:٢٣]، وفي سورة يونس في قوله: {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس:٣٨].

وتحداهم في سورة هود بعشر سور منه، في قوله: {ُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [هود:١٣].

وتحداهم هنا في سورة الطور بأن يأتوا بمثله كله، في قوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:٣٤].

وبين في سورة بني إسرائيل أنهم لا يقدرون على شيء من ذلك في قوله: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:٨٨].

وقد أطلق جل وعلا اسم الحديث على القرآن في قوله هنا: ((فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) كما أطلق عليه ذلك في قوله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر:٢٣]، وقال تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [يوسف:١١١].

وقد وصف القرآن بأنه محدث، كما في قوله: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء:٢]، وقال تعالى: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء:٥].

وليس في هذا دليل للمعتزلة على ما زعموه من كون القرآن مخلوقاً، فإنهم يستدلون على ذلك بكونه وصف بأنه محدث،

و

الجواب

أن الحدوث هنا حدوث نسبي، يعني: أن القرآن في حد ذاته ليس حادثاً؛ لأنه صفة الله وكلام الله، ولا يمكن أن يكونه مخلوقاً، وإنما الحدوث بالنسبة إلى المخلوقين، بمعنى: أنه من الحدوث، وهو كون الشيء بعد أن لم يكن.

فالقرآن العظيم حينما كان ينزل كان كلما نزل منه شيء كان جديداً على الناس، ولم يكونوا علموه من قبل، فهو محدث بالنسبة إلى الناس، ألا تراه قال: ((مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) فقوله: ((مَا يَأْتِيهِمْ)) إشارة إلى هذا التجدد الذي هو بالنسبة إلينا نحن المخلوقين، فهو محدث إليهم حين يأتيهم.

وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله يحدث لنبيه ما شاء، وإن مما أحدث لنبيه ألا تكلموا في الصلاة).

قال أبو عبيد إمام اللغة: (محدث) أي: حدث عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لما علم الله ما لم يكن يُعلم.