للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام)]

قال تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٧٨] أي: ذي العظمة والكبرياء والتفضل بالآلاء.

قوله: ((ذي الجلال والإكرام)) أي: هو سبحانه وتعالى أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يكرم فيعبد، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى.

يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وذي السلطان المقسط، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه) رواه أبو داود.

وعن أنس مرفوعاً عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام) قوله: (ألظوا) يعني: الزموا هذا الاسم فاثبتوا عليه وأكثروا من الدعاء به.

وعن عائشة قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لا يقعد -يعني: بعد الصلاة- إلا بقدر ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام).

قوله هنا: ((تبارك اسم ربك)) الاسم هنا كناية عن الذات العالية، وإلا يكفي أن يقول: تبارك ربك ذو الجلال والإكرام.

كذلك قوله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١] فأنت لا تقول: سبحان اسم ربنا الأعلى بل تقول: سبحان ربنا الأعلى, فالمقصود به الذات العالية؛ لأنه كثر اقتران الفعل المذكور معه، كقول الله تبارك وتعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الفرقان:٦١]، وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:١]، وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:١] وهذا يقوي القراءة بالرفع, أي: ((تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام)) على أنه صفة للاسم، وسر إيثار الاسم أن الأغلب أن المقصود هو الذات العالية, وللتنبيه على أنه لا يعرف منه تعالى إلا أسماؤه الحسنى لاستحالة معرفة الذات المقدسة، فما عرف الله إلا الله.

فهو اقتصر عز وجل على ذكر الاسم تنبيهاً على أننا لا نعرف من الله سبحانه وتعالى إلا أسماءه الحسنى, وحتى الأسماء الحسنى لا نعرفها كلها وإنما نعرف ما كشف لنا منها, وذلك لما ورد في الحديث: (أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فأسماء الله لا تنحصر في التسعة والتسعين وإنما هي أكثر من ذلك ولا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.