للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون)]

قال تبارك وتعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذكَّرُونَ} [الواقعة:٥٨ - ٦٢].

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} أي: ما تقذفونه في الأرحام من النطف.

((أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ)) بجعله بشراً سوياً.

((أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ)) أي: بإضافة الصورة الإنسانية عليه.

يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة:٥٨] يعني: أفرأيتم ما تصبونه من المني في أرحام النساء، فـ (ما) هنا موصولة، يعني: الذي تمنون.

والعائد ضمير محذوف تقديره (تمنونه).

وقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} هذا استفهام تقرير، ولماذا استفهام تقرير؟ لأنه لا يمكن أن يكون جوابهم: نحن الخالقون، بل لابد لهم من أن يقولوا: الله سبحانه وتعالى هو الخالق، وهم ما ادعوا أبداً أنهم خلقوا شيئاً.

وحينئذ سيكون

الجواب

أنتم الخالقون.

خطاباً لله سبحانه وتعالى على التعظيم! فيقال لهم: إذا كنا خلقنا هذا الإنسان الخصيم المبين من تلك النطفة التي تقذف في الرحم، فكيف تكذبون بقدرتنا على خلقه مرة أخرى وأنتم تعلمون أن الإعادة لا يمكن أن تكون أصعب من الابتداء؟! والضمير المنصوب في قوله تعالى: ((أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ)) الهاء فيه عائدة على الموصول، أي: أأنتم تخلقون ما تمنونه من النطف علقة ثم مضغة إلى آخر هذه المراحل؟! وهذا المعنى مبين في آيات كثيرة توضح أطوار خلق الإنسان.

يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: هذا البرهان الدال على البعث الذي هو خلق الإنسان من نطفة من مني تمنى، يجب على كل إنسان النظر فيه.

يعني أن التفكر في هذا الدليل واجب وفريضة وحتم على كل إنسان، فهو فريضة مثل الصلاة، فشأنه شأن كل الواجبات والفرائض.

يقول: هذا البرهان الدال على البعث الذي هو خلق الإنسان من نطفة تمنى يجب على كل إنسان النظر فيه؛ لأن الله جل وعلا وجه الأمر بالنظر فيه إلى مني الإنسان، والأصل في صيغة الأمر على التحقيق الوجوب إلا لدليل صارف عنه، وذلك في قوله تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق:٥].

ففي الآية أمر؛ إذ الأمر يأتي بصيغ شتى، من ضمنها صيغة فعل مضارع ومعه لام الأمر، كما هنا (فَلْيَنظُرِ) فهذا أمر، والأمر على التحقيق يفيد الوجوب إلا لقرينة.