للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب عتاب الله للذين ابتدعوا الرهبانية]

وقوله: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}، هذا أيضاً قد يلتبس عند بعض الناس، فيقولون: لو كانت الرهبانية مذمومة فكيف عاتبهم الله سبحانه وتعالى على أنهم لم يحترموا قوانين الرهبانية؟ فنقول: هذا من باب إلزامهم بما ألزموا أنفسهم به، كما نقول: إن الذين يتبنون ميثاق حقوق الإنسان لا يلتزمون به، وهكذا الذين يتبنون ما يسمى بالديمقراطية، فإنهم لا يلتزمون بذلك، ونحن نعرف أنها مخالفة للشرع، وأنها في الشرق والشريعة في الغرب، فلا تلاقي بين الديمقراطية التي هي حكم الشعب للشعب، وبين دين الإسلام الذي ينص صراحة على: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:٥٧].

ومع ذلك من حقنا أن نلزم هؤلاء القوم بما ادعوه، ونقول لهم: أنتم تؤمنون بالديمقراطية، ويلزم من هذه الديمقراطية كذا وكذا مما تخالفونه! فالإنسان يعاب إذا ألزم نفسه بشيء ثم لم يحترمه، حتى لو كان هذا الشيء خطأً، ومثل هذا يكون أشد قبحاً ممن لم يلزم نفسه به.

والديمقراطية هذه أعظم تشبيه لها أنها مثل صنم العجوة، حيث كان المشركون في الجاهلية يصنعون الصنم من العجوة فإذا جاع الواحد منهم أكله، فعند الحاجة هؤلاء يبتلعون هذه الديمقراطية، والإنسان يسمع في هذا الباب عجباً، وبالذات من تركيا التي تأتي منها أخبار عجيبة جداً، تركيا الممسوخة التي باءت بالسخطتين، كما يقول الشاعر: باء بالسخطتين فلا عشيرته رضيت ولا عنه أرضى العدى تركيا التي تتذلل وتتمسح بأعتاب الغرب، وتتقرب منه بكل ما تستطيع، ومع ذلك يزيدها هذا ذلاً وهواناً واحتقاراً، بل وصل الأمر إلى أن رئيس الوزراء اقترح أن أي موظف حكومي عنده تعاطف مع المتطرفين أو الانفصاليين -يعني: مع الإسلاميين- يفصل من عمله، وكان فاقع اللون من الذل، لدرجة أن رئيس الجمهورية رفض أن يوقع على هذا الأمر، وقال: هذا يتعارض مع حقوق الإنسان! وهذا شيء عجيب جداً! والآن هناك عالم كبير جداً مسئول اسمه: فتح الله جولان يحاكم بتهمة أنه ينوي إقامة حكم إسلامي.

فتهمته أنه ينوي! ولم يصرح أنه سيرتكب هذه الجريمة، فهو يتكلم في كذا وكذا من الأمور العادية جداً، ويحفّظ الناس القرآن، لكنهم قالوا: هذا ينوي! فالتهمة أنه ينوي، وهذا مثل ما في القانون الجنائي، من أنهم يشقون قلوب الناس ويحاسبونهم على النية، فهذا تهمته أنه ينوي إقامة حكم إسلامي، ومن قبل أربكان عندما كان سيمسك رئاسة الوزراء، في الانتخابات عُمل له فخ، وجاء صحفي خبيث يسأله، قال له: بأي قانون تنوي أن تحكم تركيا إذا مكنت من رئاسة الوزراء؟ فلو قال: القانون الإسلامي، فسيعاقب ويحكم عليه بالسجن على الأقل عشر سنوات، ويمنع من ممارسة ما يسمى بحقه السياسي، فتصور بعدما كانت تركيا عاصمة الخلافة بماذا يجيب أربكان؟ قال: أنوي أن أحكم تركيا بالقانون الذي حكمت به يوم كانت سيدة العالم، ولم يقدر أن يقول كلمة: الإسلام، وظل يردد هذه العبارة حتى لا يمسك عليه أحد كلمة الإسلام، فالله المستعان! لقد وصلت الغربة إلى هذا الحد، فهو خائف أن يقول: بالإسلام؛ لأنه سوف يترتب على ذلك عقوبات؛ لكن رد برد دبلوماسي فقال: أنوي أن أحكم تركيا بالقانون الذي حكمت به يوم كانت سيدة العالم، يعني: يوم أن كنا سادة العالم، فالله المستعان! على أي الأحوال فإن الشخص الذي يلزم نفسه بنظام أو بقانون أو بمبدأ، ثم لا يحترم هذا المبدأ الذي ألزم نفسه به، حتى لو كان خطأً، أولى بالتوبيخ؛ وهو مثل صنم العجوة، الذي يؤكل عند الحاجة!