للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استغلال النصارى للناس باسم الرهبانية]

يقول القاسمي رحمه الله تعالى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}، أي: ما قاموا بما التزموه منها حق القيام من التزهد والتخلي للعبادة وعلم الكتاب.

يعني: هم ابتدعوا الرهبانية، وأنهم سينعزلون في الصوامع، ويعبدون الله، ويتعلمون ويقرءون، لكنهم اتخذوها آلة للترؤس والسؤدد وإخضاع الشعب لأهوائهم، فمن درس تاريخ أوروبا خاصة في القرون الوسطى المظلمة يجد ذلك جلياً.

وكل قرونهم مظلمة، وبعضها أشد ظلمة من بعض، لكن هكذا جرى العرف بأن القرون الوسطى هي المظلمة، ويأتي الببغاوات الجهلة عندنا هنا ويقولون على المسلمين: يريدون أن يرجعونا إلى العصور الوسطى، وهذا الغبي الجاهل لا يعرف أن العصور الوسطى كانت أبهى عصور المسلمين، لأن هذه العصور الوسطى كانت مظلمة في الغرب، لكن المسلمين ما عرفوا أي عصر مظلم إلا من بعد أن تخلوا عن الإسلام، فليتنا نرجع إلى العصور الوسطى؛ لأننا كنا في العصور الوسطى سادة الدنيا كلها، وكان المسلمون هم الذين يحكمون العالم، ولم يحصل منهم هذا الظلم الذي يحصل الآن حينما يعلو الكافرون.

فهم بدل أن تكون الرهبانية وسيلة للزهد جعلوها عكس ذلك، والثورة التي حصلت في أوروبا كانت موجهة لطائفتين بلغتا من الطغيان مداه: الطائفة الأولى: كانت من القساوسة والرهبانيين، والطائفة الثانية: كانت من الملوك؛ ولذلك كان شعارهم: اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس! فعانى الناس طغيان الكنيسة من محاكم التفتيش والتعذيب، ومحاسبة الناس على الخواطر، حيث كانت متسلطة جداً، بل كانت تتسلط على الملوك أنفسهم، ولو أصدر البابا قرار حرمان، فيا ويل الملك! بل قد يلزم الملك أو الإمبراطور أن يأتي حافي الرأس والقدمين، ويتذلل له، ويقبل الأعتاب، ويظل راكعاً أمام البابا حتى يعفو عنه ويزيل قرار الحرمان.

فالشاهد: أنهم عانوا عناءً شديداً من القساوسة والرهبانيين، ولذلك جاء رد الفعل عكسياً، حيث رفضوا هذا الدين وهذا التسلط، ولكن لم يبحثوا عن الدين الحق، وهذا هو الانحراف الشديد الذي حصل في مسيرة الغرب.

فالشاهد: أنه كان هناك تسلط شديد جداً من رجال الكنيسة على الشعب، وإذلال الناس بالضرائب الباهظة والإقطاعات، بل كان الرهبانيون الذين في الصوامع أشهر إقطاعيين، وكانوا يستذلون الناس، ويمتصون أموالهم، ويعذبونهم، ويقيمون محاكم التفتيش والتعذيب والسجن والقهر إلى آخره.

وقوله: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ}، يعني: الذين آمنوا الإيمان الخالص عن شوائب الشرك والابتداع، ومنه الإيمان بمحمد صلوات الله وسلامه عليه المبشر به عندهم، وهم الذين اتبعوا المسيح على دينه الحقيقي.

وقوله: ((وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) أي: خارجون عن الإيمان ومقاصده.