للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المفاضلة بين مكة والمدينة]

من المسائل المعروفة التي هي محل نزاع بين العلماء: مسألة التفضيل بين مكةوالمدينة، يقول ابن وهب: سمعت مالكاً يذكر فضل المدينة على غيرها من الآفاق، فقال: إن المدينة تبوأت بالإيمان والهجرة، وإن غيرها من القرى افتتحت بالسيف، ثم قرأ: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)) وهذه المسألة لها موضع آخر تناقش فيه، وليس الوقت وقت التفصيل فيها، وفي المقابلة بين مكة والمدينة، وهناك قدر متفق عليه بين أصحاب القولين وهو: أن أفضل بقعة على وجه الأرض هي البقعة التي ضمت الجسد الشريف؛ جسد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه مسألة أخرى غير مسألة تفضيل الحرم المكي على الحرم المدني، فأطهر وأشرف بقعة على وجه الأرض هي البقعة التي ضمت جسد الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك يقول الشاعر: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه الفداء وفيه الجود والكرم قوله تعالى: ((وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)) أي: لا يحسدون المهاجرين على ما خُصُّوا به من مال الفيء وغيره، فقد ذكرنا سابقاً أن هذا المال كان لرسول عليه الصلاة والسلام خاصة يتصرف فيه كيف يشاء، وذكرنا العلة: ((فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ))، فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم في فقراء المهاجرين، وأعطى اثنين من الأنصار اشتكيا الفاقة، فقوله هنا: ((وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)) أي: لا يحسدونهم على اختصاصهم بمال الفيء وغيره.

وقيل في تفسيرها: يقدر فيها حذف مضافين، أي: ولا يجدون في صدورهم مس حاجة من فقد ما أوتوا، وكل ما يجد الإنسان في صدره مما يحتاج إلى إزالته فهو حاجة، وكان المهاجرون في دُور الأنصار، فلما غنم النبي صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير دعا الأنصار وشكرهم فيما صنعوا مع المهاجرين في إنزالهم إياهم في منازلهم، وإشراكهم لهم في أموالهم، ثم قال: (إن أحببتم قسمت ما أفاء الله علي من بني النضير بينكم وبينهم، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في مساكنكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم فخرجوا من دوركم، فقال سعد بن عبادة وسعد بن معاذ رضي الله عنهما: بل نقسمه بين المهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا، ونادت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارحم الأنصار! وأبناء الأنصار) رضي الله تعالى عنهم، وقال أيضاً في الأنصار: (آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بعض الأنصار)، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين، ولم يعط الأنصار شيئاً إلا من ذكرنا من قبل.