للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداءً ويبسطوا إليكم أيديهم)

ثم يقول تبارك وتعالى مبيناً حال الكافرين مع المؤمنين: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة:٢].

قوله: ((إِنْ يَثْقَفُوكُمْ)) أي: إن يدركوكم ويظفروا بكم، وتقول: رمح ثقيف أي: صنع بحذق ومهارة ودقة، واستعمل هنا للإدراك.

فـ ((إِنْ يَثْقَفُوكُمْ)) أي: إن يدركوكم ((يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً))؛ لأنهم لا يصلون إلى المؤمنين بسبب الهجرة، فالمؤمنون لا يقيمون معهم في مكة، لكن إن ظفر المشركون بهم، يكونون لكم أعداء، أي: حرباً، فواجبكم أن تقابلوا هذه العداوة بعداوة مثلها، ولا ينفعكم إلقاء المودة إليهم، ولا يجدي معهم أن تلقوا إليهم المودة.

((وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ)) أي: يبسطوا إليكم أيديهم بالقتل أو الضرب، وألسنتهم بالشتم بالسوء.

((وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)) بما جاءكم من الحق وترجعون عن دينكم إلى دينهم.

وقد بين الله سبحانه وتعالى السبب في أنهم يودون لو تكفرون، وهو أنهم يحسدون المؤمنين على نعمة الإيمان، ونحن نعرف أن اليهود كانوا يعرفون أن الرسول عليه الصلاة والسلام حق من عند الله، وكانوا يعلمون أنه نبي مرسل من الله سبحانه وتعالى، لكن ما الذي منعهم من الإيمان؟ إنه الحسد.

فالحسد يعمي قلوبهم عن أن يدركوا أن هذا الأمر سيئول بهم إلى نار جهنم؛ لأنه مادام أنه رسول حقاً من عند الله، وأنه أتى بما ينسخ شريعتهم ودينهم، فمن خالفه فلا شك أن مأواه جهنم، ولكن لتمكن صفة الحسد في قلوبهم عموا وأصروا على كفرهم واستكبارهم.

ويقول الله تبارك وتعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:١٠٩] ويقول الله تبارك وتعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [النساء:٨٨] إلى قوله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:٨٩].

وهذا معروف حتى على مستوى أقل من قضايا الكفر والإيمان، فتجد الشخص المنحرف أو الفاسد يحب جداً أن يفسد الناس مثله، وأن يصيروا كلهم منحرفين؛ لأن هذا يحدث له نوعاً من الألفة، وأنه لم يكن ضائعاً بمفرده، لذلك فإنه يفرح بتضييع من حوله؛ لأن هذا يؤنسه في هذه الوحدة، فكذلك هؤلاء: ((وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)) حسداً من عند أنفسهم.