للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين محمد وأحمد من حيث اللغة]

قال الإمام ابن القيم في (جلاء الأفهام في التفرقة بين محمد وأحمد عليه الصلاة والسلام): إن محمداً هو المحمود حمداً بعد حمد، فهو دال على كثرة حمد الحامدين له، وذلك يستلزم كثرة موجبات الحمد فيه.

أي: كثرة الصفات التي تجعل الناس يحمدونه عليها.

أما أحمد فهو أفعل تفضيل من الحمد، فيدل على أن الحمد الذي يستحقه أفضل مما يستحقه غيره، فمحمد فيه زيادة حمد في الكمية، وأحمد فيه زيادة حمد في الكيفية، فيُحمد أكثر حمد، وأفضل حمد حمده البشر.

وهذا هو الوجه الأول في الفرق بين محمد وأحمد.

ومن العجيب أن مدح الرسول عليه السلام وحمده لم يقتصر على المسلمين والمؤمنين به، بل تجد بعض المنصفين من الكفار يثنون على النبي صلى الله عليه وسلم ثناء عجيباً، فهنا يتبادر سؤال وهو: لماذا لم يسلم هذا الشخص؟ وقد قرأنا مدحاً كثيراً للنبي صلى الله عليه وسلم من بعض المستشرقين وغيرهم من الكفار، ومنهم أديب ألماني له قصائد عجيبة في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام، وكذلك هناك رجل روسي له مقالات رائعة في حمد النبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك ابن المهاتما غاندي الذي انتهى به الأمر إلى الإسلام، وقد أثنى على الرسول عليه الصلاة والسلام ثناء عجيباً، وهو من الهند.

ومنهم أيضاً صاحب كتاب (دعوة إلى الإسلام)، وهذا الكاتب عندما أقرأ كتابه هذا لا أتصوره إلا مثل شيوخ المسلمين: بعمامة، ولحية وغير ذلك، فهو يتكلم بإعجاب وانبهار غير عاديين عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وكذلك عن المسلمين! فإذا كان الكفار قد أثنوا هذا الثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بالمؤمنين!! والرسول صلى الله عليه وسلم له اختصاص بصفة الحمد، فاسمه أحمد ومحمد، وأمته أمة الحمد، وهو حامل لواء الحمد يوم القيامة، وافتتح كتابه بالحمد، وآخر دعوة لأهل الجنة في الجنة هي الحمد: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:١٠].

والحمد أعم من الشكر، ويعتقد بعض الناس أن الحمد لله بمعنى شكر الله، وهذا غير صحيح؛ فالشكر نوع من أنواع الحمد، فالحمد يشمل الثناء على الله بما هو أهله من المدح والثناء.

الوجه الثاني في الفرق بين محمد وأحمد: أن محمداً هو المحمود حمداً متكرراً، وأحمد هو الذي حمده لربه أفضل من حمد الحامدين غيره، فدل أحد الاسمين -وهو محمد- على كونه محموداً، ودل الاسم الثاني -وهو أحمد- على كونه أحمد الحامدين لربه، وهذا هو القياس، فإن أفعل التفضيل والتعجب عند جماعة البصريين لا يبنيان إلا من (فَعل) الفاعل لا من (فُعِل) المفعول؛ ذهاباً إلى أنهما إنما يصاغان من الفعل اللازم لا المتعدي.

ونازعهم آخرون، فجوزوا بناءهما من الفعل الواقع على المفعول؛ لقول العرب: ما أشغله بالشيء! قال ابن مالك في ألفيته: فصغهما من ذي ثلاث صرفا قابل فضل تم غير ذي انتفاء وغير ذي وصف يضاهي أشهلا وغير سالك سبيل فُعلا ثم قال ابن القيم: والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم سُمي محمداً وأحمد؛ لأنه يحمد أكثر مما يحمد غيره، وأفضل مما يحمد غيره، فالاسمان واقعان على المفعول، وهذا هو المختار، وذلك أبلغ في مدحه، وأتم معنى، ولو أريد به اسم الفاعل لقلنا: الحماد، وهو كثير الحمد، كما قلنا: محمد وهو المحمود كثيراً، فإنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الخلق حمداً لربه، فلو كان اسمه باعتبار الفاعل لكان الأولى أن يسمى حماداً، كما أن اسم أمته الحمادون.

وأيضاً: فإن الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصاله المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمداً وأحمد عليه الصلاة والسلام.

فهو الذي يحمده أهل الدنيا وأهل الآخرة، ويحمده أهل السماوات والأرض، فلكثرة فضائله التي تفوت عد العادين سمي باسمين من أسماء الحمد يقتضيان التفضيل والزيادة في القدر والصفة.