للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البشارة بالفارقليط]

كانت كتب النصارى فيما مضى تحوي بشارات صريحة تحمل اسم محمد أو أحمد عليه الصلاة والسلام أو ما يقاربهما، وذلك يعلم بالتأمل في النقول التي نقلها بعض علماء المسلمين من الأناجيل في عصرهم كما نطقها المسيح عليه السلام تماماً: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ)، فما كان من القوم إلا أنهم ترجموا الاسم العلم -أحمد- وحولوه إلى صفة؛ والأصل أن الاسم العلم عندما يترجم من لغة إلى أخرى يبقى النطق به كما هو، فمثلاً رجل اسمه (كريم) فإذا نقلته إلى الإنجليزية فإنك تكتبها (كريم)، ولكنهم حولوها إلى صفة، وهذا هو الذي حصل مع كلمة (أحمد) التي هي أفعل التفضيل من الحمد، وهو لفظ (فارقليط).

وهذا التحريف عندهم هواية، فأول شيء فعلوه لكي يضلوا الناس عمدوا إلى كلمة (أحمد) فحولوها عند الترجمة إلى (فارقليط) فعاملوها كصفة، ثم ترقوا إلى أبعد من ذلك فمارسوا هوايتهم القديمة في التحريف اللفظي، فحولوا كلمة (فارقليط) التي تعني من الناحية اللغوية البحتة: الأمجد والأشهر والمستحق للمديح، إلى المحامي، أو الوصيف، أو الشفيع، ولن أسرد الفروق بينها وبين (فارقليط)؛ لأنها لا تعني ذلك في اللغة القديمة.

فهذا: عبد الأحد داود وهو من أكابر علماء النصارى، وكان عالماً مفخماً جداً، وقد هداه الله سبحانه وتعالى إلى الإسلام، وله كتابان: كتاب (الإسلام والتوحيد)، وكتاب (محمد في الكتاب المقدس).

يقول معلقاً على هذه الجزئية: والجهل يؤدي إلى ارتكاب أخطاء عديدة، وللقرون المتطاولة كان الأوروبيون واللاتينيون الجهلة يكتبون اسم محمد على أنه (مامومد) فهل من عجب أن يكون أحد الرهبان النصارى والنساخين قد كتب الاسم الصحيح في صيغة خاطئة وهي فارقليط، وتعني: الشهير أو الجدير بالحمد، ولكن الصيغة المحرفة لا تعني شيئاً إلا العار لأولئك الذين جعلوها تحمل معنى المعزي أو المحامي منذ مدة ثمانية عشر قرناً.

فالكلمة اليونانية التي ترادف المعزي ليست (فارقليط)، وإنما هي: (فاركلون) وأما الفارقليط فمعناها بالضبط أحمد، وهذا ما قرره البروفسور عبد الأحد داود وكان من كبار علماء النصارى الكاثوليك المتبحرين، وكان أيضاً على دراية مباشرة باللغات القديمة التي احتفضت بها الأناجيل المقدسة عند النصارى، إضافة إلى إلمامه بالعلوم الإسلامية، الأمر الذي أداه في النهاية إلى أن أسلم، وصنف كتباً في دحض عقيدة النصارى.

وممن برع جداً في هذا الباب الأستاذ أحمد ديدات حفظه الله وشفاه، وهو يعاني الآن من شلل كامل، ولا يتعامل مع الناس إلا بعينه فقط، وهذا الرجل له باع كبير في توضيح هذه الحقائق.

وقد بلغ من وضوح الإشارة إلى بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في إنجيل يوحنا حداً دفع أحد علماء الإنجليز وهو آدم جونز إلى تأليف كتاب سماه: نشأة الديانة المسيحية، زعم فيه أن في الأناجيل أشياء مأخوذة من الديانة الإسلامية، وأن الأناجيل مملوءة بالأفكار الإسلامية! وذكر أمثلة على ذلك مثل لفظة: (فارقليط) وهذا الإنجليزي طوعت له نفسه أن يقول: إن هذه الكلمة دخلت في الإنجيل بعد القرآن، والمسلمون يقولون: إنها كانت في الإنجيل الأصلي طبقاً للآية الكريمة الواردة في القرآن.

وقد ذكر هذا العالم الإنجليزي حجة ناصعة على هذه الدعوى، فقال: إن المسيحيين لا يمكنهم أن ينكروا أن لفظة: (فارقليط) معناها محمد صراحة! وقد كان الأولى به أن يقول: إن هذا والذي جاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة، بدلاً من افتراض وهمي لا يقبله عقل، بل هو محض تخمين.

وجاء أيضاً في جريدة (المؤيد) تحت عنوان: لا يعدم الإسلام منصفاً، وقد نقله القاسمي في التفسير فقال: وقال أحد رواد مدرسة اللغات التركية: إن محمداً هو مؤسس الدين الإسلامي، واسم محمد جاء من مادة حمد، ومن غريب الاتفاق أن نصارى العرب كانوا يستعملون اسماً من نفس المادة يقرب في المعنى من محمد وهو أحمد لتسمية الفارقليط به، ومعنى أحمد: صاحب الحمد، وهذا ما دعا علماء الدين الإسلامي أن يثبتوا أن كتب المسيحيين قد بشرت بمجيء النبي محمد، وقد أشار القرآن بنفسه إلى هذا بقوله: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).

وقيل عندهم: إن هذه الآية تشير إشارة خاصة إلى عبارة إنجيل يوحنا، حيث وعد المسيح تلامذته ببعثة صاحب هذا الاسم.