للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القومية والقطرية وأثرهما على المسلمين]

قال بعض المحققين: في الآية معجزة من معجزات النبوة، وذلك بالإخبار عن غيب وقع في أمم من غير العرب، وذلك أن تلك الأمم التي أسلمت صارت من العرب؛ لأن بلادهم صارت بلاد العرب، ولغتهم صارت لغة العرب، وكذلك دينهم وعاداتهم، حتى أصبحوا من العرب جنساً وديناً ولغة، وحتى صار لفظ العرب يطلق على كل المسلمين من جميع الأجناس؛ لأنهم أمة واحدة، يقول تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون:٥٢].

وهذا كلام طيب وجميل، لكننا ابتلينا فيما بعد بالدعوة للقومية العربية في القرن الأخير، وكان مؤسسو فكرة القومية العربية هم النصارى، وأرادوا بها أن يجمعوا هذه البلاد العربية على رباط آخر غير رابطة الإسلام وهو العروبة، حتى وصل الأمر إلى أقصى درجات الغلو عند الملاحدة الذين ينتمون إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وهو حزب مشرك كافر بالله وبرسوله وبالأديان، وهذا الحزب يريد أن يقتلع الإسلام ويستبدله بالعروبة.

فهم لا يتذكرون الإسلام، ولكن عندهم تعصب للغة العربية، وهذا واضح بالذات في العراق وفي سوريا، ولذلك فإن مستوى اللغة العربية عند السوريين والعراقيين قوي جداً، لكن يحكمهم حزب البعث الذي لا دين له، والعروبة عندهم نوع من التراث، فهم يشيدون بأمجاد العرب وأنهم أمة عظيمة حتى بدون الإسلام، والإسلام عندهم أحد معالم الطريق، لكنه ليس هو المحور الرئيسي، فالكلام على حزب البعث الكافر الملحد يطول، ولا نريد أن نخرج الآن عن التفسير.

وقد صار يقصد بالعروبة إشغال الناس برابطة غير رابطة الإسلام، ثم فصل البلاد العربية عن البلاد الإسلامية، فكأن العروبة تضم اليهودي والنصراني وأي ملة أخرى، أما العالم الإسلامي فهو العالم الأوسع، فوضعوا هذه الحواجز بين العرب وبين المسلمين، ولعلكم تلاحظون تأثير هذا التقسيم عند وقوف المسلمين في أي قضية ضد أعدائهم، فتجدون ضعف رد الفعل العربي ورد فعل ما ينسبونه للإسلام، وهذا التفكيك له آثاره المدمرة.

وكان بعض هؤلاء إذا أذن المؤذن للصلاة يقفون صفاً يشوشون على الأذان ويقولون: انتقل عني فهذي قيمي أنا ماركسي لينيني دولي وأيضاً كانوا يقولون: آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني.

ونحن الآن نعاني مما هو أسوأ من العروبة وهو القطرية، فقد كان بين العروبة والإسلام حاجز واحد فقط وهو القومية، لكن حصلت الفرقة أعظم بسبب الدعوات القطرية، فتجد كل قطر يدعو إلى الأمن القومي الخاص به، وكل بلدة لها علمها، ولها نشيدها، فالمصريون يفخرون بالفراعنة، واللبنانيون بالفينيقيين، والعراقيون بالآشوريين، وكل بلد تدندن حول قوميتها الوطنية الخاصة بها.

فهذا من التفكيك، فمع بغضنا للقومية العربية، لكن نرى أنها بلاء أخف من بلاء القطرية، لأن القطرية حصل بها ضعف أكثر للمسلمين، وبعد عن الرابطة الإسلامية.

لقد كان المسلمون قديماً إذا دخلوا بلداً صبغوها بالهوية الإسلامية، وكانت أهم هذه الملامح اصطباغهم باللغة العربية، وهذه من نعمة الله علينا.

هناك ارتباط وثيق جداً بين الإسلام واللغة العربية، وكل من أراد أن يحارب الإسلام لا بد أن يحارب اللغة العربية.

السؤال المحير هو: الدولة العثمانية التركية التي حكمت العالم الإسلامي عدة قرون، كيف لم تصطبغ باللغة العربية، ولم يحصل فيها تعريب للحروف التركية قبل أتاتورك؟ ربما لأن الدولة العثمانية ما أعطيت فرصة لتستريح أبداً، الدولة العثمانية كانت في حال جهاد دائم لا ينقطع، وكان هناك حوالي مائة مشروع لتفتيتها والقضاء عليها، فربما كان هذا السبب في أنهم ما التفتوا لعملية التعريب، وللأسف هذه مأساة، ولذلك انتهت العربية بمجرد إلغاء الحروف العربية واستبدالها باللاتينية على يد أتاتورك، حتى وجد من لم يستطع أن يقرأ في المصحف، ولم يستطع التعامل مع مراد الفقه والشريعة.