للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول)

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:٢٤٠].

قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية) يعني: فليوصوا وصية.

أي: يوصي الزوج لزوجته بعد موته أن يكون لها هذا القدر من المتاع.

و (وصية) منصوب بفعل محذوف تقديره (فليوصوا وصية)، وفي قراءة: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزوجاً وصيةٌ) أي: عليهم وصية.

قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية) يعني: فليوصوا وصية.

(لأزواجهم متاعاً) يعني: وليعطوهن متاعاً، يعني ما يتمتعن به من النفقة والكسوة.

(متاعاً إلى الحول) يعني: إلى تمام الحول الواجب عليهن تربصه؛ لأن هذا هو الحكم الماضي في فترة الإحداد، فقد كانت سنة كاملة كما سيأتي في هذه الآية.

(والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً) يعني: يوصون وصية لأزواجهم متاعاً، فـ (وصية لأزواجهم) أولاً، وثانياً: (متاعاً) يعني: يعطوهن متاعاً، وهو ما يتمتعن به من النفقة والكسوة.

(إلى الحول) يعني: إلى تمام الحول من بعد موتهم الواجب عليهن تربصه.

(غير إخراج) هذه حال، يعني: غير مخرجات من مسكنهن.

وهذه قمة البلاغة في الحقيقة، والإنسان إذا تأمل هذا يظهر له أنه لا يمكن أن يكون كلام البشر، والحمد لله.

(غير إخراج) يعني: غير مخرجات من مساكنهن، بل تقر في البيت.

(فإن خرجن فلا جناح عليكم) يعني: إن خرجن بأنفسهن (فلا جناح عليكم) يعني: يا أولياء الميت (فيما فعلن في أنفسهن من معروف) يعني: شرعاً.

كالتزين وترك الإحداد وقطع النفقة عنها.

(والله عزيز حكيم) يعني: عزيز في ملكه، حكيم في صنعه.

والوصية المذكورة في هذه الآية منسوخة بآية الميراث، وهي قوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} [النساء:١٢]، فهذه الآية تنسخ آية الوصية هنا، فهذه الوصية نسختها آية الميراث.

إذاً: الوصية الواجبة هنا في هذه الآية منسوخة بآية الميراث.

وكذلك تربص الحول المذكور في قوله تبارك وتعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:٢٤٠]، فتربص سنة كاملة إذا مات زوجها من أول الموت إلى حول سنة هجرية كاملة بعد موته منسوخ بآية البقرة السابقة، وهي قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:٢٣٤]، فنلاحظ في ترتيب الآيات أن الناسخ مقدم على المنسوخ، وأما من حيث الوقوع في الواقع فهذا الحكم كان أولاً ثم أتى الحكم الآخر في الآية الناسخة، وهي: (يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً)، فهذه الآية السابقة هي المتأخرة في النزول، والسكنى ثابتة عند الشافعي رحمه الله تعالى، فيثبت لها حق السكنى.