للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون)]

قال الله تبارك وتعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ} [الحاقة:٣٨ - ٣٩] هذا القسم ينتظم جميع الأقسام التي وردت في القرآن الكريم؛ لأن هاتين الآيتين أجمل فيهما كل قسم أقسم الله سبحانه وتعالى به في القرآن الكريم؛ لأنه شامل لكل ما يقسم به تعالى، فهو سبحانه يقسم بشيء إما من عالم الغيب أو من عالم الشهادة، فجمعهما الله هنا بقوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ يعني: عالم الشهادة، وَمَا لا تُبْصِرُونَ يعني: عالم الغيب.

و (لا) هنا في قوله: ((فلا أقسم)) فيها قولان: إما أنها مزيدة للتأكيد وتقوية الكلام يعني: أقسم، وهذا معروف في كلام العرب، والقرآن عربي.

وإما أن قوله: ((فلا أقسم)) هو في حد نفسه تركيبة، وهذه التركيبة كلها بتمامها صيغة من صيغ القسم، كما في قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:١ - ٢] معناه: أقسم بهذا البلد.

يقول القاسمي: قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (وَمَا لا تُبْصِرُونَ) أي: أقسم بالمشاهدات والمغيبات.

يعني: المغيبات بالنسبة للبشر، وليس بالنسبة لله؛ لأنه ليس هناك غيب بالنسبة لله تبارك وتعالى، إنما الغيب يكون للمخلوقين، ولذلك نسب إليهم عدم البصر فقال: وَمَا لا تُبْصِرُونَ.

قال الرازي: وهذا القسم يعم جميع الأشياء على الشمول؛ لأنها لا تخرج من قسمين: مبصر، وغير مبصر، فشمل الخالق والخلق، والدنيا والآخرة، والعالم العلوي والسفلي، وهكذا.

ومن الممكن أن نعد أي آية أخرى في القرآن ورد فيها القسم تفصيلاً لما أجمل في هذا القسم، فهو إما من المبصر المشاهد وإما من المغيبات، فهذه الآية متضمنة كل قسم أقسم الله سبحانه وتعالى به في القرآن الكريم.