للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً)

يقول عز وجل: {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الجن:٥].

هنا يعتذر هؤلاء المؤمنون من الجن عن اتبعاهم قبل إسلامهم لسفيههم وزعيمهم، أو كبيرهم ورئيسهم الذي كان يدعي لله الصاحبة والولد، فيقولون: نحن ما تصورنا أبداً أن هناك شخصاً يكذب على الله، وينسب إلى الله ما لا يليق به عز وجل.

يقول القاسمي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: ((وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً)) أي: في نسبة ما ليس بحق إليه سبحانه، وهو اعتذار عن اتباعهم السفيه في ذلك؛ لظنهم أن أحداً لا يكذب على الله فيتبعونه، يعني: هؤلاء الجن ظنوا أن زعيمهم صادق فيما يخبر به، فلما تبين لهم من القرآن كذب هذا الزعيم السفيه وافتراؤه تبرءوا منه واعتذروا إلى الله من اتباعه قبل إسلامهم.

هذا الموقف في سورة الجن له نظائر، مما يلفت نظرنا إلى ضرورة الاستدلال من الآيات القرآنية عند دعوة الآخرين إلى الدخول في دين الإسلام؛ لأن بعض الناس يتكلمون بكل الأدلة ويهجرون أدلة القرآن.

فانظر إلى هؤلاء الجن بمجرد أن سمعوا آيات القرآن الكريم أسلموا وتوصلوا من خلالها إلى الحق، فلا توجد أدلة ولا براهين أقوى ولا أوضح ولا أنصع من أدلة القرآن الكريم، فلنحذر خداع الشيطان إيانا؛ لأن الشيطان يأتي بعض الناس ويقول لهم: كيف تحاجونه بالقرآن وهو لا يؤمن بالقرآن، فهذا من تلبيس إبليس يريد أن يبطل أقوى الأسلحة مفعولاً، وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

بل من الكفار من إذا سمع القرآن الكريم وقعت في قلبه الرهبة والتعظيم للقرآن، ولو لم يفهم منه حرفاً واحداً؛ بسبب السلطان القرآني على القلوب، وما حديث كفار قريش منا ببعيد، لاسيما الوليد بن المغيرة.

اطلع بعض الناس على كتاب لأحد المؤلفين في قضية شرعية، أنكر فيه على من يعود إلى الآيات والأحاديث وكلام الفقهاء والعلماء في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وقال: إذا أردت أن تدعوهم إلى الإسلام فقل: قال الخواجة الفلاني: كذا، لماذا؟ قال: لأنه أقرب لقبول الناس لكلامك إذا نسبته إلى الخواجات وغيرهم من غير المسلمين.

انظر إلى المصيبة التي حلت بنا، يعتقد هذا وأشباهه أن الناس يتأثرون بكلام هؤلاء الكفار ولا يتأثرون بكلام الله وبكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

على كل حال عندما نخاطب مسلماً أو كافراً فلا بد أن تعطى الأدلة الشرعية قدرها والمكان اللائق بها في الاستدلال.